215

Al-Baḥr al-Muḥīṭ fī uṣūl al-fiqh

البحر المحيط في أصول الفقه

Publisher

دار الكتبي

Edition

الأولى

Publication Year

1414 AH

Publisher Location

القاهرة

الْعَقْلِ؛ لِعِلْمِنَا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ عَلَى طُولِ الْأَعْصَارِ مَا انْحَجَزُوا عَنْ وَاقِعَةٍ، وَمَا اعْتَقَدُوا خُلُوَّهَا عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ كَانُوا يَهْجُمُونَ عَلَيْهَا هُجُومَ مَنْ لَا يَرَى لَهَا حَصْرًا. وَرَأَيْت فِي كِتَابِ إثْبَاتِ الْقِيَاسِ " لِابْنِ سُرَيْجٍ لَيْسَ شَيْءٌ إلَّا وَلِلَّهِ ﷿ فِيهِ حُكْمٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٨٦] ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء: ٨٥] وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يَخْلُو مِنْ إطْلَاقٍ أَوْ حَظْرٍ أَوْ إيجَابٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ أَوْ مَنْكَحٍ أَوْ حُكْمٍ بَيْنَ مُتَشَاجِرَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَخْلُو مِنْ حُكْمٍ وَيَسْتَحِيلُ فِي الْعُقُولِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ أَعْلَمُهُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ كَيْفَ دَلَائِلُ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ؟ .
[مَسْأَلَةٌ أَحْكَامُ الشَّرْعِ ثَابِتَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ]
ِ] كُلُّ حُكْمٍ ثَبَتَ لَنَا بِقَوْلِ اللَّهِ أَوْ بِقَوْلِ رَسُولِهِ أَوْ بِإِجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَهُوَ دَائِمٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ» فَقِيلَ: يَضَعُهَا عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَهَا، فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامَ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ نَزَلَ مُقَرِّرًا لِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا وَمِنْ شَرِيعَتِهِ إقْرَارُهُمْ بِالْجِزْيَةِ، وَقِيلَ: بَلْ مِنْ شَرِيعَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَدَمُ التَّقْرِيرِ، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ شَرِيعَتَهُ مَا أَتَى بِهَا وَهُوَ قَبْلَ شَرْعِ الْجِزْيَةِ، وَقَضِيَّتُهُ بَقَاؤُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِمَا سَلَفَ.

1 / 217