Al-Baḥr al-Muḥīṭ fī uṣūl al-fiqh
البحر المحيط في أصول الفقه
Publisher
دار الكتبي
Edition Number
الأولى
Publication Year
1414 AH
Publisher Location
القاهرة
[مَسْأَلَةٌ الْحُكْمُ هَلْ هُوَ قَطْعِيٌّ أَمْ ظَنِّيٌّ]
ٌّ؟] أَطْلَقَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ هُنَا أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا قَطْعِيٌّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ ظَنِّيٌّ، وَبَيَّنَ مُرَادَهُ بِهِ فِي بَابِ الْقِيَاسِ، فَقَالَ: الْحُكْمُ قَطْعِيٌّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا سَوَاءٌ أُضِيفَ إلَى الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ أَوْ الظَّنِّيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَطْعِيٌّ ثَابِتٌ عِنْدَ الظَّنِّ لَا بِالظَّنِّ، وَالْقَطْعُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. انْتَهَى.
يُرِيدُ أَنَّ الظَّنَّ فِي الشَّرْعِيَّاتِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ فِي الْقَطْعِيَّاتِ. وَالْحُكْمُ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ غَلَبَاتِ الظُّنُونِ قَطْعِيٌّ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الظَّنُّ. وَمِثَالُهُ: حُكْمُ الْقَاضِي بِقَوْلِ الشُّهُودِ ظَنِّيٌّ، وَلَكِنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ ظَنِّ الصِّدْقِ وَاجِبٌ قَطْعِيٌّ، وَهُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الْمَحْصُولِ فِي جَوَابِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ: الْفِقْهُ مِنْ بَابِ الظُّنُونِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ قَطْعِيَّتَيْنِ، وَمَا انْبَنَى عَلَى الْقَطْعِيِّ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يُبْنَى عَلَى حُصُولِ الظَّنِّ، وَحُصُولُهُ وِجْدَانِيٌّ، وَعَلَى أَنَّ مَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ فَحُكْمُ اللَّهِ فِيهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ، وَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ إجْمَاعِيَّةٌ، وَمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ قَطْعِيَّتَيْنِ، وَاللَّازِمُ مِنْهُ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ. لَكِنَّ الْحَقَّ انْقِسَامُ الْحُكْمِ إلَى قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْ الْأَقْدَمِينَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ فِي كِتَابِ " الْحُدُودِ "، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ ".
1 / 164