Al-Badr al-Munīr fī maʿrifat Allāh al-ʿAlī al-Kabīr
البدر المنير في معرفة الله العلي الكبير
Genres
[أولا: الدليل من الكتاب العزيز] أما الكتاب فقوله تعالى حاكيا عن نبيه موسى عليه السلام ما حكاه تعالى عنه بقوله تعالى: {قال ربي إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين}(1) وذلك حين لم يطيعوه -عليه السلام، وطاعته طاعة لله تعالى، وقد أوحى الله تعالى إليهم أنهم يدخلوا الأرض المقدسة لقتال الجبارين الظالمين الذين فيها فعصوا وقالوا لموسى صلى الله عليه وسلم ما حكى الله تعالى عنهم بقوله تعالى: {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}(2) فسالمهم موسى عليه السلام مسالمة لا حد لها كما ترى، حيث أيس عن طاعتهم ولم يقدر على قتالهم فقال عليه السلام ما حكى الله تعالى عنه بقوله تعالى: {قال ربي إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} فسالمهم كما ترى من غير حد للمسالمة [61أ] بل قال: لا أملك إلا نفسي وأخي، ولا أملك من أمرهم شيئا، ولم يحد ذلك بوقت بل إلى أن يهلكوا، ومات موسى عليه السلام وهم كذلك في التيه، وقال الله تعالى حاكيا عن نبيه هارون عليه السلام عذره حين عاتبه موسى عليه السلام على تركهم في غفلته يعبدون العجل، فقال ما حكى الله تعالى عنه بقوله تعالى: {إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء}(3) فقبل موسى [عليه السلام] عذره، وحكى الله تعالى ذلك عنهم ولم ينكره عليهما -عليهما الصلاة والسلام- بل صوبهما تعالى، ولم يفعلا ذلك كله إلا بوحي منه تعالى لأنهم رسله وخاصته في ذلك الوقت من البشر -عليهما الصلاة والسلام- وما قصه الله تعالى في كتابنا من شرائعهم فنحن متعبدون به جوازا أو وجوبا وتحريما وهو شريعة لنا جديدة لذكره في كتابنا وقصاصته بالوحي إلى رسولنا سيد الرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن متعبدا بشريعة أحد قبله، فكذلك نحن لقوله تعالى: {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}(1) ولقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}(2)، ولنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عمر عن مطالعة التوراة وإلقائه لها عليه السلام من يده ولقوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}(3) فالمقصوص في كتابنا عنه من أحوالهم وسيرهم هو شريعة لنا جديدة بوحي جديد يعلمه الله تعالى وينزله تنزيلا آخر من باب اتفاق الشرائع.
Page 304