بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
وبه أستعين وصلى الله على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله المنتخبين أما بعد:
Page 1
Page 2
فإني لما رأيت في زماننا هذا من كثرة التقليد لغير محكم كتاب الله الحميد، وما حده وبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من القول السديد، ورأيت كثيرا منهم قد شغفوا بما وضعه كثيرا من الشيوخ من الحقائق والحدود، والمقدمات والنتائج، ورأيت أن الخبر عند كثيرا من الأصحاب من فهم تلك الحقائق والنتائج والحدود، ولو لم يكن عنده من معرفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما يوجد منها من الأصول والفروع شتى، ورأيت كثيرا من الناس قد ركبوا متن العمى، واجتنبوا كثيرا من العلماء السابقين والمقتصدين من أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم الذين جعلهم الله حججا عليهم، ففرقوا بينهم بغير دليل قطعي قاطع، ولا ظني نافع، حتى أن كثيرا منهم لا يستجيزون الصلاة خلف كثير من علماء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيتهمونهم في الإمامة الصغرى فضلا عن الإمامة الكبرى، ويظنون بهم ظن السوء المحرم، ولم يشعروا أنهم قد خالفوا الله تعالى ورسوله المكرم حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته وعترته وذريته [ ]((قدموهم ولا تتقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتظلوا ولا تشتموهم فتكفروا))(1) ثم ترى كثيرا منهم يتباهون بعضهم بعضا في التقدمة للصلاة مع حضور أولي العلم والعمل من أهل البيت عليهم السلام الآخذين "ما فعلوا عن آية محكمة أو سنة قائمة، ثم يظنون ظنا منهم أن أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أهل العلم مختلفون أخذا من أولئك الشيع بروايات العوام فيهلكون أنفسهم ويخالفون ما بنى الله عليه من أساس دينهم من أن مقرونه نجاتهم ومعقوده بمودته من أهل البيت -عليهم السلام -والمودة: المحبة، والمحب لهم المود لهم هو المتبع لهم، والمتبع لهم هو من لم يتقدم عليهم في صلاة مع حضورهم ولا في غيرها من الخصال الشريفة، آلا ترى أن الله تعالى يقول في المدعي للمحبة [1ب]له تعالى من غير اتباع ما شرع تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم [ ]{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31] فأخبر تعالى أن من لم يتبع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فليس بمحب ولا مود له تعالى، كذلك من قال أنه محب لأهل البيت -عليهم السلام- مود لهم ولم يتبعهم فليس بمود ولا محب، بل هو أعظم جرما ممن أظهر عداوتهم لتدليسه وآرائه للناس أن المحسن منهم مسيئ وأن العالم العامل جاهل فينفر ويثبط من ليس من أهل المعرفة عن إتباع الهداة في الخلق وحجج الله فيهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا قوة إلا بالله العلي العظيم .
Page 3
أحببت(1) أن أضع في معرفة الله تعالى وما يلحق بها أبوابا ملقوطة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لينتفع بها المسترشدون من غير تقليد، ومن الله تعالى استمد التوفيق والتسديد.
وصلى الله على البدر التمام، ومن هو للأنبياء ختام محمد وعلى آله البررة الكرام
[ باب في توحيد الله وعدله وصدق وعده ووعيده ]
وذكر عدله وصدق وعده ووعيده، والنص على التوحيد والعدل وصدق الوعد والوعيد في سورة {قل هو الله أحد}[الصمد:1] وفي غيرها .
والنص على إرسال الرسل والأوصياء ونصب الأئمة وكون علماء أهل البيت- عليهم السلام -حجة على جميع المكلفين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير سورة {قل هو الله أحد}[الصمد:1] وفيها إشارة إلى ذلك
[
Page 4
بسم الله الرحمن الرحيم {قل هو الله أحد} أي :الله الواحد وجوده، الذي ليس لأزليته حد فيه (أحد)، المنفرد بصفات الكمال، ليس معه إله يشاركه، وليس إله غيره؛ وإنما وضعنا هذا الكتاب في أصول الدين من القرآن لأن القرآن دليل على خالقه تعالى كالسماء والأرض وما بينهما؛ لأنه كلام لا يقدر عليه جميع المخلوقين، ولا بد لكل كلام من متكلم يحدثه إذ لا تأثير للعدم وإلا لو كان للعدم تأثير لكان الكلام موجودا حدوثه في كل وقت، فلما علم عجز المخلوقين عن التكلم بمثله، وثبت أنه لا تأثير للعدم عند جميع العقلاء علمنا أنه لا بد للقرآن من محدث غير المخلوقين وغير العدم؛ وليس غيرهما إلا الله تعالى فصح الاستدلال بالقرآن على وجود الله تعالى [2أ] كدلالة غيره، وإذا صح وجب وجاز أن يعرف الله تعالى، ويوصف ويسمى بما سمي ووصف نفسه به في القرآن {الله الصمد} أي: السيد المصمود المقصود لكل حاجة دينيه ودنياوية فيدخل في ذلك جميع ما يحتاج إليه العالم المكلفون من تفضيل الشكر الذي قضى بوجوبه عليهم عقولهم، فيدخل في ذلك -أي في قضاء حوائجهم- إرسال الرسل والأنبياء- صلوات الله عليهم- وتعيين الأوصياء من بعدهم، والأئمة ومنصبهم وصفاتهم من يعين باسمه سيما وصي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة بعده، ومن هو من الخلق حجة وعلامة للنجاة إلى آخر التكليف بعده صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لا نبي بعده يوحى إليه بشريعة جديدة.
Page 5