Al-Badr al-Munīr fī maʿrifat Allāh al-ʿAlī al-Kabīr
البدر المنير في معرفة الله العلي الكبير
Genres
وبحديث غدير خم المشهور بين الموالف والمخالف مع إجماع الأمة على أن المراد به إمامة علي عليه السلام دون غيره ودون سائر ما يحتمله لفظه بضرورة شاهد الحال المقطوع به أن المقصود به بصرف الإمامة لأولى العتاق ولا غيره، كما شكك بذلك بعض علماء العامة لتنطل النصوص القطعية ويجعلها بزعمه ظنية وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من حجة الوداع أنزل الله تعالى إليه: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته والله يعصمك من الناس}(1) خرج صلى الله عليه وآله وسلم مذعورا نحو المدينة وأصحابه معه حتى قدم الجحفة فنزل على غدير خم ونهى أصحابه عن شجرات في البطحاء متقاربات فنزل تحتها -وهي شجرات عظام؛ فلما نزل القوم في سواهن أرسل إليهم سبعين رجلا من العرب والموالي والسودان فشك شوكهن، وقم ما تحتهن، ثم أمر بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون -وفيمن حضر حينئذ علي بن أبي طالب والحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب عليه السلام والعباس وولده عبد الله والفضل وفيهم أبو بكر وعثمان وعمر ومعاوية وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد بن نفيل وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وعمرو بن العاص والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو هريرة وأبو الحمراء مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري وعامة قريش ووجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عقبي ومهاجري وأنصاري وغيرهم من بدوي وحضري حتى امتلأ الدوح وبقي أكثر الناس في الشمس يقي قدميه بردائه من شدة الرمض، وصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين تحتهن، ثم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس إنه نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعش نبي قط إلا نصف عمر النبي الذي يليه من قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإنكم مسئولون هل أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، فما أنتم قائلون؟ قالوا: والله لقد أبلغت ونصحت، فجزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن أمته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: أتشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث بعد الموت حق؟ قالوا: نشهد بذلك. فرفع يده صلى الله عليه وآله وسلم ثم وضعها على صدره ثم قال: أشهد بذلك، اللهم اشهد. ثم قال: لعن الله من ادعى إلى غير أبيه، لعن الله من تولى غير مواليه، ألا ليس لوارث وصية، ولا تحل الصدقة لآل محمد، ومن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار، أيها الناس ألستم تشهدون أن الله مولاي، وأن الله مولى المؤمنين، وأني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، نشهد بأنك أولى بنا من أنفسنا، [37أ] فأخذ بيد علي بن أبي طالب ثم رفعها ثم قال: من كنت أولى به من نفسه فهذا علي مولاه، اللهم والي من والاه، وعادي من عاده، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وأعن من أعانه، وانصر من نصره، واقتل من قاتله، واخذل من خذله -ثم أرسل يده- فقال رجل من القوم: ما بال محمد يرفع بضبع ابن عمه؟ فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتغير لذلك وجهه، فلما رأى ذلك الرجل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد علم به واشتد عليه أقبل على علي عليه السلام فقال له: هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام الثانية وقال: أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم، إني فرطكم على الحوض، وإنكم واردون علي الحوض، حوضي أعرض مما بين صنعاء إلى آيلة، فيه كعدد نجوم السماء أقداح، إني مصادفكم على الحوض يوم القيامة، ألا وإني مستنقذ رجالا يختلج دوني آخرون فأقول: يا رب أصحابي أصحابي فيقال: إنهم أحدثوا وغيروا بعدك، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الأكبر منهما كتاب الله سبب ما بين السماء والأرض، طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، والأصغر منهما عترتي أهل بيتي، فقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لا يفترقا حتى يردا علي الحوض، فلا تعلموا أهل بيتي فإنهم أعلم منكم، ولا تسبقوهم فتمرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تتولوا غيرهم فتضلوا، يا أيها الناس أطيعوا قولي، واحفظوا وصيتي، وأطيعوا عليا فإنه أخي ووزيري وخليفتي على أمتي، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني، ألا لعن الله من خالف عليا -ثم أرسل يده- فقال: يا علي اكتب ما أو صيتهم به عليهم كتابا، فلما أن كتب وأشهد الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغهم ذلك اليوم أخذ الكتاب، فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم بصوت له [صلى الله عليه وآله وسلم] عال: أيها الناس، هل بلغتكم ما في هذا الكتاب؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد وكفى بك شهيدا -ثم رفع صوته- فقال: أقيلكم؟ فقالوا: نعوذ بالله ثم بك يا رسول الله من أن تقيلنا أو نستقيلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم اشهد أني قد جعلت عليا علما يعرف به حزبك عند الفرقة هاديا -فناوله الكتاب)) (1).
Page 179