قال الحاج محمود هذه العبارة وهو يمد يده لأبي بإيصال، أمسك أبي الورقة بين يديه ثم مزقها. «مش معقول، أمسك عليك ورقة يا حاج محمود، كلمتك عندي كفاية، الكلمة شرف.»
الخادمة أحضرت صينية القهوة، مع البسكويت أو الكعك. أمام البيت الحمارة واقفة فوق ظهرها أكوام من القماش، أخي طلعت يعاكسها، يناديها: يا عزيزة، معلهش معلهش ... شيه! شيه! مقلدا صوت الحاج محمود. يأتي الكلب الوولف جريا نحو أخي، يربت على رأسه، يرمق البنات المتجمعات حول الطرمبة.
رآني أخي، فاقترب وهمس في أذني: إيه بقة السر بتاع امبارح؟ - احلف بربنا ثلاث مرات ما تقوله لحد.
أخيرا يستسلم أخي، يقسم بالله العظيم ثلاث مرات، أقرب فمي من أذنه وأهمس له بالسر: أنا قررت حابقى إيه لما أكبر؟ - حتبقي إيه؟ - رقاصة زي البنت اللي في السيرك.
رمقني أخي طلعت بعينين يملؤهما البريق، قرب فمه من أذني وهمس: أنا حاضرب مزيكه على العود، وانتي ترقصي، ونعمل فيلم دموع الحب زي عبد الوهاب!
ربط هذا السر بيني وبين أخي، بدأت صداقتنا تنمو.
أخي «طلعت» متعدد الهوايات، ينتقل من هواية إلى هواية.
يشركني في بعض هواياته، علمني العزف على العود والغناء، ولغة الحمام الزاجل، يربط الرسالة في ساق الحمامة، يقرب فمه من منقارها ويهمس بشيء، تطير الحمامة في الجو ثم تعود إليه وفي ساقها رسالة أخرى.
لأخي صديقة اسمها «إيلينا» ابنة «زخاري» اليوناني صاحب البقالة في شارع الكنيسة، هي الأخرى تهوى الحمام الزاجل، تجلس إلى جواري في المدرسة وتقول إنها تفهم لغة الحمام.
حاولت أن أفهم لغة الحمام دون جدوى، أرهف أذني لصوت الحمامة وهي تقرب منقارها من منقار الحمامة الأخرى، لا أسمع إلا زغونة بلا حروف ولا كلمات، تصورت أن إيلينا وأخي طلعت أكثر ذكاء مني.
Unknown page