ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فاجأني الأذى ذلك اليوم، فتحت عيني في الصباح فوجدت سروالي غارقا في الدم، هل تسللت الداية في الليل وقطعت شيئا آخر من بين فخذي؟ عفريت من الجن، أو شيطان من الشياطين، خلقه الله في أجسام البنات، دخل من تحت عقب الباب ومزق غشاء العفة؟ هذا الغشاء يفرق البنت العذراء عن المرأة المتزوجة، الدليل الوحيد على حسن الأخلاق.
هل أراد الله أن يعاقبني؟! أصابني بمرض البلهارسيا، سوف أنزف الدم حتى أموت، مات جدي حبش وأبوه السعداوي بالبلهارسيا. اختفيت تحت الغطاء أدعو الله أن يغفر ذنوبي، أخرج من السرير لأتسلل إلى دورة المياه، أخفي الإثم والعار عن الجميع، حتى أمي، هل يستجيب الله لدعائي قبل أن يعرف أحد في البيت ؟ مغفرة الله تحدث ساعة أو نصف ساعة، أحمدك يا رب ، غفرت ذنوبي، ثم يغرق السروال مرة أخرى باللون الأحمر الداكن، أعود أغسله وأتوضأ وأصلي، أدفن وجهي في صوت سجادة الصلاة، أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم، أركع وأسجد، لا أكف عن الاستغفار.
في حركة من حركات السجود اندفع شيء بين ساقي، صنع فوق سجادة الصلاة بقعة حمراء كبيرة، السجادة المقدسة عادت بها ستي الحاجة من أرض الحجاز، سجادة عجمية صغيرة من الصوف، رمادية اللون، مرسوم عليها الكعبة الشريفة.
الدم النجس يلوث الحرم المقدس!
كانت فضيحتي بجلاجل، الجيران عرفوا الخبر، تناقلته الألسنة من عائلة أبي وأمي في القرية والمدينة.
كيف يكون الدم في جسمي نجاسة؟ كلمة «النجاسة» سمعتها أول مرة في حياتي «الحيض دم فاسد»، لا يحق للبنت خلال أيام الحيض أن تلمس مقدسا، مثل كتاب الله، لا يحق لها الصلاة، أو الصيام، أو قراءة القرآن، لسانها يصبح نجسا، يدها إذا صافحها أحد تفسد الوضوء والصلاة.
أصبحت لا أكف عن دخول الحمام، لم تكن البقعة الحمراء تتلاشى، وإن تلاشت تترك من خلفها لونا أصفر أو أسود أشبه بظلها، إن تلاشى الظل بقيت الرائحة كالروح الشريرة تحوم حول الجسد.
أصابني المرض النفسي، نوع من الهوس، لا أكف عن غسل يدي بالماء والصابون طول النهار، مرض يصيب البنات والنساء، المسلمات منهن أو القبطيات أو اليهوديات، كانت لي زميلة يهودية، في التوراة تحدث الله عن الحيض، يسميه «الطمث»: «في أيام الطمث تكون المرأة نجسة سبعة أيام، كل شيء مقدس لا يمس، وإلى المقدس لا تجيء حتى تكمل أيام تطهيرها، إن حبلت المرأة وولدت ذكرا لا تطهرها تأتي بخروف وفرخ حمامة أو يمامة ذبيحة تقدمها لربها، فيكفر عن ذنوبها وتطهر من دمها.»
في القرآن لم يكن الحيض «أو المحيض» إلا «أذى» فقط، كلمة «أذى» بدت لي بريئة إلى جوار الكلمات الأخرى في التوراة، كلمة «حيض» بدت أفضل من كلمة «طمث». تتضاعف نجاسة الدم حين تكون المولودة أنثى! تطهير الدم النجس يكون بتقديم فرخة أو خروف مشوي للرب! لم يطلب الله من النساء في القرآن أي فرخة أو خروف مقابل الطهارة، شكرت الله كثيرا لأنه خلق أبي مسلما وليس يهوديا. كنت أظن أن المسلمين يؤمنون بالقرآن فقط، أبي قال: إن التوراة والإنجيل كليهما «مثل القرآن»، أنزلهما الله إلى الناس هدى ونورا، على المسلمين أن يؤمنوا بكتب الله الثلاثة.
وكأنما ألقى أبي فوق رأسي كوز ماء صاقع في ليلة شتوية.
Unknown page