هنا أدركت الحكومة خطر جمعية تضامن المرأة العربية، هنا بدأت الحرب الضاربة ضد الجمعية وضد عضواتها، على رأسهم بطبيعة الحال رئيسة الجمعية نوال السعداوي. بدأت وزارة الشئون الاجتماعية مع وزارة الداخلية إيفاد المراقبين والمفتشين ورجال المباحث إلى أي اجتماع تعقده الجمعية. اشتدت الحملة في صحف الحكومة والصحف الإسلامية ضد الجمعية الكافرة ورئيستها الزنديقة التي لا تحترم القيم أو الآداب العامة.
ثم قامت حرب الخليج في يناير 1991، حرب أخرى جديدة في سلسلة الحروب المتعاقبة منذ نشوء دولة إسرائيل عام 1948، محاولة كبرى من جانب الثالوث القديم، أو الحلفاء الأربعة ضد العالم العربي، الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وزاد عددهم إلى ثلاثين جيشا مسلحين بالقنابل الليزر، ضربوا بغداد ليلة 16 يناير 1991. احترقت بغداد، مات نصف مليون من النساء والأطفال والشباب، وحتى اليوم ونحن في يونيو عام 2000 لا يزال الشعب العراقي تحت الحصار، يموت فيه كل يوم آلاف الأطفال دون دواء، دون طعام.
إنها حرب النفط الثانية بعد حرب 1973، إنه الاستعمار القديم يرتدي حذاء جديدا يسميه النظام العالمي الجديد، ويدوس به على أرواح الشعوب من أجل البترول وتنشيط تجارة الأسلحة، وفتح أسواق جديدة في بلاد ما يسمى العالم الثالث.
النساء والفقراء هم العملة الرخيصة في الحروب والأزمات، أول من يدفع وآخر من يأخذ، سنة القانون الطبقي الأبوي الذي يحكم عالمنا الحديث وما بعد الحديث.
أرادت الولايات المتحدة أن تستخدم في حرب الخليج بعض الجيوش العربية كنوع من الغطاء، كنوع من التمويه يحدث دائما في كل الحروب، هكذا دخل الجيش المصري والجيش السوري الحرب ضد العراق تحت لواء الجيش الأمريكي وجيوش الحلفاء الثلاثين. - الحلفاء؟!
في طفولتي سمعت أبي ينطق كلمة الحلفاء بطرف لسانه، يلفظها كأنها هي بصقة، الحلفاء يا ابنتي هم الأعداء، يتخفى العدو تحت اسم الصديق، ماذا نفعل يا ابنتي؟! ضحكنا حين سمعنا الإذاعات تقول بصوت السادات عام 1976 صديقي كارتر، ثم ضحكنا حين رددت الإذاعات هذه العبارات عام 1991 مع تغير الأسماء.
وتجمعت النساء العربيات من خمس عشرة دولة عربية في مؤتمر جمعية تضامن المرأة العربية خلال الفترة من 4-7 سبتمبر 1990، أصدرت النساء المجتمعات بيانا ضد غزو العراق للكويت، وضد قيام حرب الخليج العسكرية، وتم تشكيل لجنة من النساء للعمل على منع الحرب وحل الأزمة بالطرق السلمية.
هنا انتهزت وزارة الشئون الاجتماعية الفرصة لتوجيه ضربتها إلى الجمعية، صدر قرار أمال عثمان وزيرة الشئون الاجتماعية بإغلاق جمعية تضامن المرأة العربية، ومصادرة أموالها وتحويلها إلى جمعية أخرى اسمها نساء الإسلام. صدر هذا القرار غير القانوني في 15 يونيو 1991، بدأت حملة في الصحف الحكومية والإسلامية التابعة لها لتشويه سمعة الجمعية المأجورة الخائنة للوطن، وسمعة رئيستها نوال السعداوي المعادية للإسلام والآداب العامة ومصالح الوطن الكبرى.
لم يصدق أحد هذه الحملة، وبدأت بعض الأقلام تعارض قرار وزيرة الشئون، الذي أصدره نيابة عنها نائب محافظ القاهرة.
في 21 يوليو 1991 بجريدة الأخبار كتب مصطفى أمين في عموده اليومي بعنوان «فكرة» ما يلي:
Unknown page