232

Awraqi

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Genres

سألت شريف: هل نحن بحاجة إلى قانون الزواج؟ ألا يمكن أن نتزوج بإرادتنا الحرة دون كتابة ورقة؟! ما جدوى هذه الورقة إذا كنت أثق بك وأنت تثق بي؟ سنتزوج نحن الاثنين ونفترق إن شئنا بإرادتنا نحن الاثنين ... فلماذا الورقة؟

لكننا كنا في عام 1964 وليس عام 2000، انقضى ستة وثلاثون عاما حتى يسقط قانون الزواج القديم، كنت أتمرد عليه وحدي، كنت أعرف أنه بقايا العصر العبودي، لكن أغلب النساء لم يكن معي، حتى صديقاتي الثلاث بطة وصفية وسامية لم يملكن شجاعة الطلاق أو الاعتراض على القانون إلا داخل الغرف المغلقة، اليوم تغير الحال، زاد عدد النساء والشابات المتمردات على قانون الزواج القديم، وتم تعديل القانون أكثر من مرة داخل مجلس الشعب، تعديل طفيف لا يمس جوهر القانون القديم. هكذا بدأت الفتيات يتزوجن دون قانون، أو بقانون جديد ليس فيه عقد رسمي مختوم بالنسر، وإنما عقد عرفي تعارف الناس عليه قبل نشوء الحكومات. إن الحاجة إلى الحب والجنس تنتصر على أعتى الحكومات المركزية وأقدمها في التاريخ وهي الحكومة المصرية، أكثر من ذلك بدأت الفتيات يتزوجن بدون عقد على الإطلاق، دون حاجة إلى ورقة مكتوبة، مجرد الثقة المتبادلة بين الرجل والمرأة، كل منهما بالغ الرشد ومسئول عن الوفاء بالوعد، يمسك كل منهما بيد الآخر وينطق الوعد، لا أحد يشهد عليهما إلا الله، أليست شهادة الله أهم من شهادة موظف الحكومة؟!

قلت لشريف: إنهم يتكلمون كثيرا على الإيمان بالله، مع ذلك لا يؤمنون به، وإلا فلماذا لا تعترف الحكومة بشهادة الله؟!

ضحك شريف وقال بصوته الهادئ: يا نوال أتريدين أن نتزوج أم تريدين تغيير العالم؟ قلت: أريد الاثنين يا شريف، قال ربما يتغير العالم بعد قرن أو نصف قرن، ولكننا نريد أن نتزوج اليوم، وإن لم نذهب إلى مكتب المأذون ونسجل العقد المكتوب فسوف يصبح أطفالنا غير شرعيين.

كان يوم 10 ديسمبر 1964، ذهبنا إلى المأذون وكتبنا العقد، سأل المأذون كم المهر؟ قلت له خمسة وعشرون قرشا، رمز العبودية، وضحكت، لكن المأذون لم يضحك، كان غاضبا لأن أجره يزداد بازدياد المهر، أراد أن يعقد الأمر طمعا في أجر أكبر، ناوله شريف أجرا سخيا وقال: اكتب العقد يا شيخ بلاش تعقيدات، عندنا موعد ولازم نمشي بسرعة!

كان موعدنا في البيت مع ابنتي منى، عمرها سبعة أعوام، طفلة عيناها عسليتان يكسوهما بريق، اشتد البريق وهي تفتح العلبة الملفوفة بالشريط الأخضر اللامع، ارتدت الفستان الجديد.

لونه وردي له كولة بيضاء من الدانتيلا، وباقة من الورد البلدي الأحمر والزهور البيضاء، جلسنا نحن الثلاثة حول المائدة الصغيرة في شقة الجيزة نحتفل بعيد زواجنا الأول، لا أحد يشهد عليه إلا الله والطفلة في السابعة من عمرها .

في أول لقاء مع شريف أدركت أنني أثق فيه، عيناه رأيتهما، نافذتان مفتوحتان إلى الأعماق، العينان هما الإنسان في نظري، هناك قول مأثور يقول: «تكلم حتى أراك» وأنا أقول: أرني عينيك حتى أراك.

في أول لقاء سألت شريف عن علاقته بالكتابة والأدب، هذا السؤال كنت أسأله لأي رجل أو امرأة يمكن أن أصادفها، الكتابة عندي أعز ما أملك، الماء والهواء والكتابة، ثلاثة عناصر ضرورية للحياة، أنا أكتب إذن أنا موجودة. لا أتصور الحياة الدنيا بدون ورقة وقلم، الحياة الأخرى أيضا لا أتصورها بدون ورقة وقلم. في المدرسة الثانوية طردني مدرس الدين من الفصل عام 1946 حين سألته: أيكون في الجنة ورقة وقلم لمن يريد أن يكتب؟ وفي السجن عام 1981 كان الحراس يفتشون كل يوم ويقول رئيسهم مهددا: إذا وجدنا ورقة وقلما فهذا أخطر من أن نجد طبنجة! واستطعت رغم ذلك أن أخفي الورقة والقلم تحت أرض الزنزانة دون أن يعثر عليهما أحد، ومنذ طفولتي لم أكن أنام دون الورقة والقلم تحت وسادتي ، ومن أجل الورقة والقلم خلعت من حياتي الزوج الأول والثاني.

كان شريف هو زوجي الثالث، لم يكن يكتب إلا المقالات السياسية، منذ أول لقاء قلت له: أنت أديب يا شريف قبل أن تكون سياسيا وقبل أن تكون طبيبا. قال: منذ طفولتي يا نوال كنت أحب الموسيقى والأدب، وكانت أمي تمسك يدي وتقول أصابعك خلقت للموسيقى.

Unknown page