أخي يكشف صدره للهواء والشمس، وأنا أخفي صدري، صدري عورة تستوجب الإخفاء، كلمة «عورة» تخرق أذني مثل المسمار، كلمة نابية، كان صدري أملس مثل صدر أخي بلا نهدين، كنت طفلة صغيرة أصغر من أخي، لم أكن تعلمت الكلام أو الرد على الكبار مثل أبي، لكن كنت قد أصبحت داخل ذلك العالم الكبير، عالم أبي، يتحدد فيه موقعي لمجرد أنني بنت.
كان أبي يتطلع نحو السماء، في الليل قبل العشاء، يجلس في الشرفة البحرية يطل على النجوم، أمي في المطبخ تجهز الطعام، أخي إلى جوار أبي يتطلع معه إلى السماء، أبي يخاطب أخي ولا يخاطبني، يقرأ القرآن كتاب الله.
تصورت في طفولتي أن هذه السماء ونجومها من اختصاص أبي وأخي، يشير أبي بإصبعه إلى مجموعة من النجوم تلمع بعيدا في الظلمة، ويقول لأخي: هذا نهر المجرة، وهذا هو المريخ، وعطارد، والمشترى، و...
كان أبي يحكي لنا عن آدم، كيف فضله الله على الملائكة، وأمر إبليس أن يسجد له، كيف سجدت الشمس والقمر والكواكب لسيدنا يوسف، أستمع إلى أبي مفتوحة الفم متسعة العينين، أنام على صوت أبي وهو يحكي: أنزلق في النوم كأنما أغرق في البحر، أغرق حتى ألمس القاع، وأشرب الماء المملح، أمي أصبحت غائبة، ذراعان غائبتان، لا أحد ينتشلني من القاع، أصحو من النوم في حلقي طعم الملح، فوق الفراش من تحتي بلولة الماء المالح لها رائحة البول.
أنهض من السرير منكمشة في خزي، أحوط صدري بذراعي أخفي عورتي، أخفي بلولة السرير تحت الغطاء، تأتي خالتي نعمات وتكشف الغطاء، ويرتفع صوتها في جميع أنحاء البيت تعلن الفضيحة في الكون.
كانت أمي تنسحب من حياتي بالتدريج، لم أعد أراها إلا في المطبخ، لم أعد أسمعها تتكلم، تجلس معظم الوقت تستمع إلى حكايات أبي ... أبي ينتقل من الحديث عن الله وسيدنا محمد إلى الحديث عن الملك والإنجليز، بعد ذلك يتحدث عن الناظر، كنا في مدينة الإسكندرية، وأبي يشتغل مدرسا في مدرسة العباسية الثانوية ورئيس المدرسة اسمه الناظر.
المسافة بيني وبين أمي كانت تتسع، المسافة بيني وبين أبي تضيق، أصبحت أمي تجلس في الطرف الآخر من الكنبة، بعيدا عني، يزداد البعد عاما وراء عام، يمدد أبي ساقيه الطويلتين ويحتل المساحة كلها، مساحة أمي تصغر وتصغر، تنكمش حول جسمها وهي جالسة، تهدل ثدياها من كثرة الترضيع، اختفى خصرها مع ارتفاعات البطن بالحمل، تراكم عليها الشحم بلون شاحب.
أمي لم تعد تنتمي إلى العالم الذي يضم أبي وأخي وأنا، إنها تنتمي إلى عالم آخر، ما إن أتخيله حتى يقشعر جسمي ، عالم المطبخ تفوح منه رائحة الثوم مع البصل ، يملؤه الدخان أو الهباب يتصاعد عن وابور الجاز، عالم أبي كان هو الشرفة البحرية، تطل على مشتل الزهور والنجوم في الليل، والله في السماء، وسيدنا محمد، والملك والإنجليز والناظر. «اقلب دواية الحبر على تقريرك يا أستاذ!»
إنه صوت أبي يخاطب الناظر، كان صوته يدوي في الشرفة البحرية، وهو يحكي لنا، صوته يملأ الكون، تسري القشعريرة في جسدي مثل برد الشتاء، أغمض عيني، أتفادى الضوء مع أن الليل مظلم، أخفي عن أبي شيئا لا أريد أن يراه، أهما عيناي، كنت أخفيهما، أخشى أن يرى فيهما أحشائي حيث العشب الراسب في القاع بلون الحبر الأسود.
حادث ختان
Unknown page