246

Al-Tawḍīḥ al-Rashīd fī sharḥ al-tawḥīd

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Genres

- النُّشْرَةُ الجَائِزَةُ أَنْوَاعٌ - كَمَا فِي كَلَامِ ابْنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - وَهِيَ:
١) الرُّقيَةُ الشَّرْعِيَّةُ بِالقُرْآنِ: بِأَنْ يُقْرَأَ عَلَى المَسْحُوْرِ مِنْ كِتَابِ اللهِ ﷿، كَالفَاتِحَةِ وَآيَةِ الكُرْسِيِّ وَسُوْرَةِ البَقَرَةِ وَالقَوَاقِلِ.
٢) الرُّقيَةُ الشَّرْعِيَّةُ بِالتَّعَوًّذَاتِ: وَهِيَ الأَدْعِيَةُ، وَخَاصَّةً الَّتِيْ وَرَدَتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. (١)
٣) الأَدْوِيَةُ المُبَاحَةُ: وَهَذِهِ يَعْرِفُهَا الحُذَّاقُ وَأَهْلُ التَّجْرِبَةِ وَأَهْلُ العَقِيْدَةِ السَّلِيْمَةِ. (٢)
فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الأُمُوْرُ المُبَاحَةُ نَفَعَ اللهُ بِهَا؛ لَا سِيَّمَا مَعَ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ ﷿ وَاعْتِقَادِ أَنَّ الشِّفَاءَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَلَا يَزِيْدُ الظَّالِمِيْنَ إِلَّا خَسَارًا﴾ (الإِسْرَاء:٨٢).
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَتَوَلَّاهَا مَنْ يُوْثَقُ بِعِلْمِهِ وَدِيْنِهِ - دُوْنَ أَصْحَابِ المَطَامِعِ الدُّنيَويَّةِ وَالمُشَعْوِذِيْنَ - الَّذِيْنَ يُفْسِدُوْنَ عَقَائِدَ النَّاسِ، وَيُرَهِبُوْنَهُم بِالكَذِبِ وَالتَّدْجِيْلِ. (٣)
- فَائِدَةٌ) قَالَ القُرْطُبِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (المُفْهِمُ شَرْحُ مُسْلِمٍ) (٤) - بَابُ الرُّقيَةِ بِأَسْمَاءِ اللهِ ﷿: (قَوْلُهُ (ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِيْ تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ) (٥): هَذَا الأَمْرُ عَلَى جِهَةِ التَّعْلِيْمِ وَالإرْشَادِ إِلَى مَا يَنْفَعُ مِنْ وَضْعِ يَدِ الرَّاقي عَلَى المَرِيْضِ وَمَسْحِهِ بِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَخْصُوْصًا بِالنَّبِيِّ ﷺ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ كُلُّ رَاقٍ ....، وَمِمَّا يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ يَفْعَلَهُ النَّفْثُ وَالتَّفْلُ، وَقَدْ قُلنَا أَنَّهُمَا نَفْخٌ مَعَ رِيْقٍ). (٦)

(١) وَمِنْهَا: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا؛ ثُمَّ قَالَ: أَعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢٧٠٨) عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيْمٍ مَرْفُوْعًا.
وَمِنْهَا (أَعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣٣٧١) عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ مَرْفُوْعًا.
وَمِنْهَا (أَعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ - الَّتِيْ لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ - مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيْهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأ فِي الأَرْضِ وَبَرَأ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ يَطْرُقُ - إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ - يَا رَحْمَنُ) صَحِيْحٌ. الطَّبَرَانِيُّ فِي الَأوْسَطِ (٤٣) عَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خُنْبُشٍ مَرْفُوْعًا. الصَّحِيْحَةُ (٨٤٠).
وَمِنْهَا (بِسْمِ اللهِ أَرْقيْكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤذِيْكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ وَعَيْنِ حَاسِدٍ، بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ؛ وَاللهُ يَشْفِيْكَ). مُسْلِمٌ (٢١٨٦) عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ مَرْفُوْعًا.
وَمِنْهَا (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبْ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ؛ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٥٧٤٣)، وَمُسْلِمٌ (٢١٩١).
(٢) قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ ﵀: (وَبَلَغَنِي أَنَّ عَائِشَةَ ﵂ سُحِرَتْ، فَقِيْلَ لَهَا فِي مَنَامِهَا: خُذِي مَاءً مِنْ ثَلَاثَةِ آبَارٍ تَجْرِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَاغْتَسِلِي بِهِ، فَفَعَلَتْ فَذَهَبَ عَنْهَا). المَنْتَقَى شَرْحُ المُوَطَّأِ (٢٥٥/ ٧) لِلبَاجِي.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي تَفْسِيْرِهِ (٣٧٢/ ١): (وَحَكَى القُرْطُبِيُّ عَنْ وَهْبٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: يُؤْخَذُ سَبْعُ وَرَقَاتٍ مِنْ سِدْرٍ؛ فَتُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ تُضْرَبُ بِالمَاءِ، وَيُقْرَأُ عَلَيْهَا آيَةُ الكُرْسِيِّ، وَيَشْرَبُ مِنْهَا المَسْحُوْرُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِبَاقِيْهِ؛ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ مَا بِهِ، وَهُوَ جَيِّدٌ لِلرَّجُلِ الَّذِيْ يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ).
(٣) قُلْتُ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إِفَادَةِ الرُّقيَةِ -وَلِكَنَّهُ أَكْمَلُ - أَنْ يَكُوْنَ المَرْقِيُّ مُؤْمِنًا أَوْ صَالِحًا، فَفِي البُخَارِيِّ (٥٧٣٦) عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ ﵁؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوْهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ، فَقَالُوا: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُوْنَا، وَلَا نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيْعًا مِنَ الشَّاءِ. فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ القُرْآنِ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ؛ فَبَرَأَ. فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لَا نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَسَأَلُوْهُ فَضَحِكَ، وَقَالَ: (وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ، خُذُوْهَا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ). وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ (٢٢٠١) - بَابُ جَوَازِ أَخْذِ الأُجْرَةِ عَلَى الرُّقيَةِ بِالقُرْآنِ وَالأَذْكَارِ -.
وَ(القِرَى): مَا يُعدُّ لِلضَّيْفِ النَّازِلِ مِنَ النُّزْلِ.
(٤) المُفْهِمُ شَرْحُ مُسْلِمٍ (٥٨٩/ ٥).
وَقَالَ أَيْضًا ﵀ (٥٨٠/ ٥): (وَأَمَّا النَّفْثُ وَوَضْعُ السَّبَّابَةِ عَلَى الأَرْضِ؛ فَلَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِالمَرْقِيِّ شَيْءٌ لَهُ بَالٌ وَلَا أَثَرٌ، إِنَّمَا هَذَا مِنْ بَابِ التَّبرُّكِ بِأَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَبِآثَارِ رَسُوْلِهِ ﷺ وَأَمَّا الرِّيْقُ وَوَضْعُ الإِصْبَعِ - وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - فَإِمَّا أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ لِخَاصِّيَّةٍ فِيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ لِحِكْمَةِ إِخْفَاءِ آثَارِ القُدْرَةِ بِمُبَاشَرَةِ الأَسْبَابِ المُعْتَادَةِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ).
قُلْتُ: وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ شَرْعًا أَنْ يُجْرِيَ اللهُ تَعَالَى بَرَكَةَ الشِّفَاءِ فِي الرِّيْقِ وَالتُّرَابِ الَّذِيْ قَارَنَ القِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ الشَّرِيْفَ، لَا سِيَّمَا وَأَنَّ المَقَامَ مَقَامُ تَبَرُّكٍ وَاسْتِعَانَةٍ بِاللهِ تَعَالَى الكَرِيْمِ.
(٥) هُوَ شَطْرٌ مِنْ حَدِيْثِ مُسْلِمٍ (٢٢٠٢)، وَهُوَ بِتَمَامِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ الثَّقَفِيِّ؛ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُوْلِ اللهِ ﷺ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ: (ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِيْ تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِسْمِ اللهِ - ثَلَاثًا -، وَقُلْ - سَبْعَ مَرَّاتٍ -:أَعُوْذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ).
(٦) وَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ (٢١٩٢) - بَابُ رُقيَةِ المَرِيْضِ بِالمُعَوِّذَاتِ وَالنَّفْثِ -: عَنْ عَائِشَةَ ﵂؛ قَالَتْ: (كَانَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالمُعوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَه الَّذِيْ مَاتَ فِيْهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أعَظْمَ بَرَكةً مِنْ يَدِي).

1 / 246