فصحت به: «أما تراه يا رجل؟ نريد أن نطلب الإسعاف.»
فقال مهددا: خذه من هنا وانصرف.
فصحت به في غيظ: لقد كان في المغرب يهتف للسيد أحمد.
فصاح مرة أخرى في لهجة أعنف: قلت لكم امشوا من هنا، واقترب البواب والعاملان الآخران ليجعلاها معركة، ولكن حمادة تقلب في تلك اللحظة واختلج جسمه خلجات شديدة، وأخذ يطرد بعض ما تبقى في جوفه من الفضلات العفنة، فبعد البواب والعمال صائحين شاتمين، ولم نجد بدا من حمله والذهاب به عندما جاء البواب وأصحابه يعيدان الكرة علينا، فصحت بهم: قولوا للسيد إن هذه البركة العفنة هي بضاعته ردت إليه، هي الجنيهات الخمسة التي أخذها حمادة ثمنا للهتاف في المظاهرة.
وحملنا حمادة وسرنا به في الظلام على الشاطئ الموحش، وأخذ الشبان يبرطمون غضبا، واقتربنا من مخزن قطع سيارات قديمة، فأسرع الشبان إليه، وألقوا بالجثة عند بابه وعادوا أدراجهم مسرعين.
وجاء صاحب المخزن ينظر إلي في استنكار، فقلت له مستعطفا: بعض الماء من فضلك.
وملت على حمادة أدلك يديه، واستمعت إلى دقات قلبه مرة أخرى، وسمعت صاحب المخزن يدمدم قائلا: ما هذه الداهية؟
فقلت له: هذا بائس مسكين وجدته مغمى عليه في الطريق.
ويظهر أن الرجل أحس شيئا من الرحمة، فأتى بكوز من الماء فرششت منه على وجه الصريع وكانت دهشتي عظيمة عندما رأيته يتحرك، فناديته مسرورا ولكنه أخذ يطرد من جوفه فضلات أخرى، فبعدت عنه كما بعد عنه صاحب المخزن مشمئزا وهو يلعن قائلا: من يمسح هذا؟
فأخرجت له ورقة من ذوات نصف الريال وقلت له: أنا آسف لإزعاجك، وأرجو أن تدعو من يساعدك على تنظيفه.
Unknown page