Amira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Genres
كان جشع الملك مانويل الثالث وأحقاده تتفجر هادرة في كل اتجاه أمام سراب انقشاع الحلم السلفي بالوصول إلى هنا ... إلى عاصمة خلافة المسلمين.
تتفجر هادرة ضد قادته وساسته ومستشاريه، وضد العرب الدمويين وتآمرهم وأحابيلهم، وبخاصة ذلك الشبح الخيال الذي أذاقهم الويل وسخر منهم لطوب الأرض ذاته؛ أبو محمد البطال، صاحب الحيل والملاعيب التي يبدو أنها لن تنتهي أبدا، والتي إن دلت على شيء فإنما على مدى غباء تحالف الأروام البيزنطيين وملكهم وقادتهم.
وهكذا أعاد الملك مانويل الثالث تساؤله - وهو في أقصى حالات غضبه ومرارته على مجمع قادته ومستشاريه: أليست هي ذات الحيلة المكيدة التي دبرها العرب وجاسوسهم العجوز السابق ابن الحصين، أستاذ البطال ومعلمه الأول، والتي عن طريقها اقتحم العرب حصن ابنته الأميرة «باغة»، حاكمة مالطة وما حولها من ثغور، وانتهى الأمر بقتلها وقطع رأسها منذ بضع سنوات ليست بالبعيدة؟
وكان الملك مانويل يعني مشيرا إلى تلك المكيدة التي دبرها الحصين بن ثعلبة، حين استولت فيالق ذات الهمة على كتيبة من قادة جند الأروام، تسوق أمامها عائدة إلى حصن الأميرة باغة المنيع، الذي استعصى فتحه واقتحامه طويلا على العرب، تسوق أمامها بضعة آلاف مؤلفة من أسرى العرب المسلمين في أصفادهم وسلاسل سبيهم.
فكان أن استولت كتائب ذات الهمة التي تحصنت في شعاب الجبال على قادة الأروام وبطارقتهم، وحرروا أسراهم، وقبل أن يقدموا على قتل القادة الأروام، اضطلع العيار العجوز ابن الحصين بوضع
التفاصيل الدقيقة لأتباعه من البصاصين والعيارين المهرة في التمثيل والتنكر وإتقان اليونانية القديمة، وتحركوا باتجاه حصون الأميرة «باغة» وهم يسوقون أسراهم من العرب، ومنهم
وهنا انطلت الحيلة على الحراس فانفتحت البوابات عن آخرها، حتى إذا ما احتوت ساحات الحصن كتائب المسلمين اندفعوا من فورهم تقتيلا في الحراس، وواصلت ذات الهمة تقدمها إلى أن اقتحمت مخبأ الأميرة باغة ونازلتها وجها لوجه إلى أن تمكنت منها، فقطعت رأسها عن جسدها، وأرسلت الرأس إلى عاصمة الخلافة لتعتلي أسوارها.
وكانت تلك الواقعة المكيدة الشهيرة أول بوادر انتصارات الأميرة ذات الهمة التي أعلت من شأنها، ولفتت إليها في إعجاب كل الأنظار على طول العواصم العربية والإسلامية، كما أنها دفعت بأعدائهم من تحالف الأروام البيزنطيين إلى أقصى بحار اليأس القاتمة.
وهنا وصل القنوط بالملك مانويل وهو يسوق لمجمع قادته تفاصيل تحايل ذلك الشيطان متعدد الرءوس ... أبو محمد البطال في اقتحام تخوم مدن القسطنطينية وأسوارها المنيعة ذاتها، حين اتخذ بنفسه هيئة البطريق القائد، بارتدائه لملابسه ولحيته ذاتها و«باروكة» شعر رأسه، بل ونبرات صوته ذاتها، ونطق لحراس أسوار القسطنطينية بالشفرة السرية، التي عقبها انفتحت بوابات العاصمة مستبشرة مرحبة بعودة الجيش العائد المظفر من جند الأروام يسوقون أسراهم من العرب: أحقا ما يحدث وتسوقه الأخبار السوداء؟!
تساءل الملك مانويل في أقصى حالات هياجه: أيمكن أن يعقل ما يحدث، أن ينام ليلة على تحقيق حلم الأسلاف الأبدي بالوصول إلى هنا بجيوشه؛ ليصحو صبيحة اليوم التالي والعرب يدقون حصون القسطنطينية العاصمة؟ هي الخيانة ولا شك!
Unknown page