Amira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Genres
فعندما آثرت ذات الهمة التريث وعدم ترك الثغور العربية عارية أمام زحف الأروام باتجاه الشرق ومركزه عاصمة الخلافة، خالفها الرأي والمشورة الأمير عبد الوهاب قائلا: «يا أماه ... من الصواب مواصلة السير قبل كل شيء باتجاه بلاد الروم - القسطنطينية - طالما أنها خالية من العسكر الآن.»
وابتهج البطال لرأي عبد الوهاب معدا لذات الهمة مفاجأة ما بعدها مفاجأة، مدعمة بما توصل إليه العيارون والأشبال من معلومات، شريطة الإسراع الفوري بحسب الالتزام بخطة عبد الوهاب باتجاه التقدم الحثيث للعاصمة.
حتى إذا ما اقتنعت ذات الهمة ورحلوا طالبين القسطنطينية أسرعوا المسير، إلى أن لحقوا أحد قادة الأروام من البطارقة العائدين بأسرى المسلمين، ومنهم الأمير عمرو بن عبد الله بن سليم، حاكم مالطة، الذي تربى معه منذ الطفولة والشباب الأمير عبد الوهاب.
ولم يحتج الأمر لمحاربة فيلق الأروام العائد بالأسرى العرب؛ ذلك أن البطال تولى هذه المهمة بإحدى حيله القصيرة القاتلة، فقتل البطريق القائد، وخلصوا سباياهم، وعانق عمر عبد الوهاب، وأقاموا ثلاثة أيام للراحة، ثم واصلوا الزحف من مائة وعشرين ألف جندي ما بين سودانيين وأكراد وفلسطينيين ويمنيين وحجازيين، وساروا إلى أن نزلوا على بحيرة «خرشنة» المتاخمة للقسطنطينية، فلما رأى حاكم تلك المدينة الساحلية عظم جيش المسلمين وعتادهم، أرسل إلى الملك «مانويل» في مقره، وهو على مشارف عاصمة الخلافة في بغداد، ليعلمه بمدى الخطر الداهم المطبق على القسطنطينية ذاتها.
حتى إذا ما قرأ الملك مانويل كتابه اكفهر إلى حد الهياج الهستيري، متهما زمانه الخائن الرديء، وكذلك قواده ومستشاروه، وجمع من فوره بقية الملوك والقادة ومجلس البطارقة والأمراء، وكل من كان في فلكه، معلنا أنه يتشمم رائحة الخيانة فيما يحدث ويجري على جبهة القتال، واتهمهم جميعا بالخيانة وضيق الأفق، وحلول الكارثة على رأس الجميع.
فكيف يتسنى له وجيشه استرداد الثغور والعبور عبر الأناضول، بعد أن كسروا جيش شقيق الخليفة ذاته هارون الرشيد، وواصلوا زحفهم نزولا إلى الرافدين، فتساقطت أمامهم مدن العراق الواحدة بعد الأخرى، زحفا إلى العاصمة عاصمة خلافة المسلمين، وعندما قاربوها وأصبحت على مرمى البصر من أبصارهم إذا بالأخبار السوداء تتهاوى على رءوسهم كالصواعق الحارقة الفانية، كمثل حمم عاتية ليس بمقدور بشر احتمالها، ومن أين تجيء؟ من خلف ظهورهم ... ولمن؟ لأبنائهم وجرحاهم الذي خلفوهم عرايا بالقسطنطينية دون غطاء ليستبيحها العرب الأجلاف.
وكانت كلما تواترت الأخبار والتقارير حول ما يحدث على جبهة ذات الهمة، كلما أعاد الملك مانويل شق ردائه على مشهد من القادة وبقية الملوك والأمراء والبطارقة الواجفين غيظا وكمدا.
كيف استولى البطال على البطريق قائد الحملة العائدة مظفرة بعشرات الآلاف من أسرى المسلمين وأسلابهم لحماية القسطنطينية، بالمكيدة والمخادعة، كمثل سكين يقطع زبدا، وحل وثاق أسرى المسلمين؟! وها هو الآن إلى جانب ذات الهمة وابنها يدقون أسوار القسطنطينية في غفلة، ويمكن القول «تغفيل» منه ومن قادته ومستشاريه!
والأدهى من هذا وأكثر مرارة، أن ذلك يحدث وهم - أي الأروام - هنا على مشارف الحلم الأكبر العسير المنال، الذي أرقهم السنين الطوال، بل الدهور إثر الدهور، في أن تصل أياديهم الطولى يوما عاصمة خلافة المسلمين. وها هي بغداد محط الآمال مشرفة على روابيها وتلالها وأنهارها تخاطب عيونهم. ها هو حلم الأسلاف والأجداد على مرمى البصر من ملوك أوروبا وأباطرتها، تكشف لهم عن وجهها الخبيء الغامض بما كانوا يسمعونه عنها من ثراء ورفاهية، وأكداس كنوز الشرق وعبقه، ومصنوعاته وعلومه، ومنسوجاته وفنونه، وموسيقاه الشجية وسمره غير المنقطع.
وليس في مقدورهم العبور إليها وإلى ساحاتها وقصورها الوارفة على الدجلة، بعدما حدث من غفلة وتغفيل ليسا منه - أي الملك مانويل - وقادته.
Unknown page