Amira Dhat Himma
الأميرة ذات الهمة: أطول سيرة عربية في التاريخ
Genres
وكان الحصين عيارا أو بصاصا خارق الذكاء، واسع المعرفة، ملما بتفاصيل حياة تحالف الأعداء الأروام وخططهم وأسلحتهم ومراكز اتخاذ قراراتهم؛ لذا اعتبرته ذات الهمة مصدرا لا ينقطع عطاؤه من المعلومات الصحيحة؛ نتيجة لكبر سنه وخبراته التي اكتسبها عبر رحلاته وأسفاره التنكرية لعواصمهم ومدنهم، يرصد ويدون كل ما تقع عليه عيناه من تحركات وتحالفات.
تلك الخبرة يسرت له رعاية وتربية جيل بكامله من البصاصين والعيارين وجامعي المعلومات، من أشبال أبناء المحاربين العرب، كان أبرزهم أبو محمد البطال، فكانت الأميرة ذات الهمة تتخذ قراراتها الأخيرة في ضوء ما كان يشير به «ثعلبة بن الحصين»، بل وكثيرا ما لجأت هي ذاتها لتغيير خططها أو تأخير مواعيدها عقب استشارته والاجتماع به تحت أقصى درجات التكتم والسرية.
ولعل أفضل نموذج لجيل ذلك العيار العجوز ثعلبة بن الحصين مكيدته التي أحكم تخطيطها وتنفيذها، فتم لذات الهمة عن طريقها اقتحام آخر حصون وقلاع مالطة التي صمدت أمام الجيش العربي طويلا، وهو الحصن الذي احتمت به الأميرة «باغة».
إذا أوقعت الظروف كتيبة هائلة من جند الأروام العائدة مظفرة إلى الحصن، تقود أمامها كتيبة من أسرى المسلمين، وهنا أشار الحصين بقتل قادة الأروام وارتداء ملابسهم على ذات الهيئة التي كانوا عليها، ومواصلة المسيرة إلى الحصن الذي ما إن انفرجت بواباته منفتحة تهليلا بالنصر، حتى تم لذات الهمة وكتائبها الاستيلاء على الحصن وقلاعه الملحقة، والوصول إلى مخدع الأميرة باغة ومنازلتها وقطع رأسها.
وعلى هذا النحو المخادع شرب العيار الجديد أبو محمد البطال من ذات النهل المتوقد الذكاء؛ من أستاذه ثعلبة بن الحصين، إلى أن تفوق عليه مكرا وحيلة، وهو الذي ولد وشب عن الطوق منذ مطلع صباه في أحياء الأروام، فتعلم منهم أكثر مما تعلم من أبناء جلدته العرب.
وساعده في هذا تكوينه الجسدي الرقيق، وذكاؤه المتوقد كحد النصل، وخفة ظله في الإيماء والتحول وجذب الانتباه والسخرية المضحكة.
ومنذ صباه أبدع البطال في جمع المعلومات المفيدة لذات الهمة، إلى درجة دفعتها إلى احتضان الغلام البطال ، وتعهده بالرعاية، وتيسير سبل إلمامه بلغة الأروام، إلى أن أصبح عينا لها يجوب عواصمهم وموانئهم وبلدانهم دون كلل.
بل إن ذات الهمة تعمدت محادثة ابنها عبد الوهاب عنه، والإشادة به كجني صغير ... خارق.
حتى إذا ما التقاه عبد الوهاب متوثب الحركة كجرذ صغير نبتت على الفور بذور صداقتهما وأينعت، إلى حد حال بينهما وبين الافتراق ليل نهار، وعمل الاثنان كفريق متكامل، فتولى البطال
فقد برع البطال في مهامه، وأولها تصيد أسرى الأروام السكارى وهم يتطلعون إليه أو إلى أتباعه في بلاهة واستكانة من تأثير الخمر، فيقودونهم إلى سفن المسلمين المستترة الرابضة، ولتعود بهم وبأسلحتهم الجديدة في جنح الظلام إلى مضارب المسلمين وهم لا يزالون موغلين في سكرهم.
Unknown page