وقولك إنك تفكر مرادف لقولك إنك تضع حدودا وشروطا لما تفكر فيه، فالوجود المطلق لا يدخل في حيز التفكير ولا تدركه العقول، وليست نتيجة ذلك أننا ننكر الوجود المطلق؛ لأن معرفتنا بقصور معرفتنا لا ينتج منه أن نجعلها حكما في الإثبات والإنكار، وإنما تستلزم هذه الحقيقة نتيجة أخرى وهي ضرورة الاعتقاد، وأنه لازم لإتمام عمل العقل في الإنسان، ولا يحب هاملتون أن يخلي ضرورة الاعتقاد من أسبابها الفكرية الراجحة، بل يجعلها قضية معقولة قائمة على أن الفرضين المتعارضين أحدهما صحيح لا محالة، فنحن إذا أردنا أن نعرف الوجود المطلق - أو نعرف الله - فإما أن يتمثل لنا كأنه «لا نهاية» مكيفة، أو يتمثل لنا بلا كيفية من الزمان والمكان والصفات، ونحن لا ندرك اللانهاية بحال لأنها غير قابلة للإدراك، فليس أمام العقل إلا أن يدركها كما تتصل بالكون، فتمثل بذلك نوعا من «الكيفية» لا سبيل إلى غيره، فهو دون غيره ما يسلمه العقل ويتممه الإيمان.
وتعد الفترة التي بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر عصر كانت 1724-1804 وهيجل 1770-1830 في الفلسفة الأوروبية؛ لأنهما قد هيمنا بمذهبهما على مسالك التفكير التي شاعت بعدهما في أوروبة، ولا يزالان يهيمنان عليها إلى العصر الحاضر.
كان «كانت» من المؤمنين بالله، إلا أنه يكل الإيمان إلى الضمير ولا يعتمد فيه على البراهين العقلية التي تستمد من ظواهر الطبيعة.
فالعقل في مذهب كانت لا يعرف إلا الظواهر الطبيعية
ولا ينفذ إلى حقائق الأشياء في ذواتها
Noumena .
والروح فاعلة أبدا وليست مفعولا أو موضوعا للمعرفة، فهي عارفة غير معروفة.
وليست مسألة الإيمان من ثمة مسألة علاقة بين الله والطبيعة، أو بين الله وهذه الأكوان المادية، ولكنها مسألة علاقة بين الله وضمير الإنسان، فمن ضمير الإنسان إذن نستمد الدليل على وجود الله.
وفي ضمير الإنسان شعور أصيل بالواجب الأدبي، وقسطاس مستقيم يوحي إليه أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه.
وهذا الوحي الذي أودعه الله النفس الإنسانية ضمين بإسعاد من يطيعونه وحسن الجزاء لهم من الله.
Unknown page