128

من الإغريق المتمصرين، فافتتح في رومة سنة 140 مدرسة لتعليم مذهبه وأضاف إليها كثيرا من الشعائر والرموز والتأويلات.

وخلاصة «الفلسفة المعرفية» أن عالم الغيب - أو العالم غير المرئي - وجد فيه منذ الأزل «الأب السرمدي» ومعه الصمت المطلق، والحقيقة الأبدية، وأن الأب السرمدي أودع العقل في الصمت، فالعقل ولده ونده لأنه عقله، ومن ثم كانت أصول القدم أربعة كما في مذهب فيثاغوراس، وهي: الأب والصمت والحقيقة والعقل أو «الكلمة» كما كانوا يسمونه في بعض الأحيان.

ويأخذ المعرفيون من المجوسية إيمانها بعنصري النور والظلام، ويزيدون عليها أن حجب الظلام تحول بين الإنسان وبين رؤية الله، ويقولون إنها سبعة آلاف حجاب تمر بها الروح الإنسانية في هبوطها من العالم الأعلى إلى عالم الفساد، وعملها - وهي في ثوب الجسد - أن تشق هذه الحجب وترتفع إلى نور الله من جديد.

وقد نشأ الشر بخروج روح من الأرواح العلوية من عالم النور إلى عالم الظلام، فكل ما في عالم الأجساد هو صنع ذلك الروح، وهذه هي الخطيئة الأصلية في رأي المعرفيين.

وهم يعتقدون أن «المعرفة» هي سبيل الخلاص والرجعة إلى الله؛ لأن المعرفة تبدد حجب الظلام حجابا بعد حجاب، فلا يبقى في النهاية غير النور المطلق، وهو الله.

والمعرفيون لا ينكرون تعدد الأرباب دون الإله الأكبر وهو الأب السرمدي، بل يؤمنون بوجود آلهة أخرى بمثابة أرواح نورانية أو أرواح ظلامية، ويحسبون إله العهد القديم في عداد هذه الأرواح.

ولولا أن المعرفية هي أول محاولة عقلية لاستخلاص العقائد من الأديان والفلسفات لما اتصلت لها بالفلسفة علاقة تذكر في معرض الكلام على المباحث العقلية ؛ لأنها أشبه بنحل العباد منها ببحوث المفكرين. •••

وأول مفكر تقدم المفكرين بعد الميلاد وتخلص من هذه التلفيقات الوثنية وواجه الحكمة والدين بعقل الفيلسوف وسليقة المؤمن - هو أفلوطين إمام الأفلاطونية الحديثة، الذي ولد بإقليم أسيوط في السنوات الأولى من القرن الثالث للميلاد.

وهو أجدر فيلسوف أن يحسب من صميم المتصوفة، أو يقال عنه بغير جدال إنه إمام التصوف الذي امتزجت آراؤه بالطرق الصوفية ولا تزال تمتزج بها إلى هذا الزمان.

وقد بلغ أفلوطين غاية المدى في تنزيه الله، فالله عنده فوق الأشباه وفوق الصفات ولا يمكن الإخبار عنه بمحمول يطابق ذلك الموضوع.

Unknown page