Albert Camus
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
Genres
نماذج المحال. (د)
هل سيزيف سعيد؟ (أ) بدايات المحال
لم يستمد كامي فكرته عن المحال من مرجع ولا كتاب. لقد بدأ الإحساس «بمحالية» الوجود الإنساني يتسلل إلى قلبه وهو بعد طفل صغير. كانت مجموعة من «الصور» الأساسية الواضحة - كما يسميها بنفسه - نبعت من عالم طفولته، وعلمته كيف يتجرد من الوهم، والتعود، ويواجه لغز الحياة والموت بكل ما فيه من غرابة وقسوة وإعتام. إنه البؤس، والشيخوخة، والصمت، والليل الوحيد الطويل يقضيه إلى جانب فراش أم محبوبة ولكن ما أبعدها عنه، ورحلات شاب وحيد بلا مال ولا هدف، وأناس يتحركون كالظلال ويتكلمون ويتعذبون، ويكشفون - وإن لم يشعروا هم أنفسهم بذلك - في حركاتهم وأصواتهم وعذابهم عن العدم في أنقى صورة.
في لحظات العري هذه، عندما تختفي كل فكرة نحتمي بها، ويتبدد كل سند عقلي نتذرع به، ينساب جمال الأرض سرا إلى النفس كانسياب الموجة، ويرد الوجود الإنساني «المحال» - ولم يكن كامي قد عرف الكلمة بعد - إلى العدم.
هنا
1
نستطيع أن نتلمس بدايات المحال. إنه قريب من العدم، الذي راح يدق على الباب دقات رقيقة متباعدة، ولكنه ليس ذلك العدم الرهيب الذي يدعونا إلى الموت. ليس ذلك البحر الغامض المعتم الذي تحدثنا نفوسنا في بعض الأحيان أن نهوي في لجته، مدفوعين برغبة النفي التي لا تقهر، والذي سيضعنا فيما بعد أمام مشكلة الانتحار، أهم وأخطر المشكلات الفلسفية جميعا وأكثرها جدية. إن «المحال» الذي نشعر به الآن أقرب ما يكون إلى الحالة النفسية التي يحس فيها الموجود كأنه في «فراغ».
الأم المريضة الصامتة قد عرفت هذا «العدم» الخالي من كل عزاء: «كان يحدث أن يسألها سائل: «فيم تفكرين»؟ فتجيبه قائلة: «في لا شيء». وقد كان هذا صحيحا، كان كل شيء هنا؛ أعني لا شيء.»
2
عبثا نفتش عن طبيعة هذا العدم الوجودية أو المنطقية. إنه لا يعدو أن يكون إحساسا معتما عاريا من كل عزاء، ينتابنا في بعض الأحيان، وقد نسميه في السطور القادمة باسم «المحال». وليس «المحال» الذي نقصده هنا سوى اسم آخر نطلقه على الشعور بالغربة، بالهوة المظلمة التي تفصل الصبي عن أمه التي لا سبيل إلى القرب منها.
Unknown page