٢- وكان يكتب الجواب، فإن حضر من يبيّضه وإلا أخذ السائل خطّه وذهب.
٣-ويكتب قواعد كثيرة في فنون من العلم، في الأصول والفروع والتفسير وغير ذلك، فإن وُجد من نقله من خطه وإلا لم يشتهر ولم يعرف.
٤- وربما أخذه بعض أصحابه فلا يقدر على نقله، ولا يرده إليه فيذهب، وكان كثيراً ما يقول: قد كتبت في كذا وفي كذا.
ويُسئل عن الشيء فيقول: قد كتبت في هذا. فلا يدري أين هو، فيلتفت إلى أصحابه ويقول: رُدّوا خطي وأظهروه لينقل! فمن حرصهم عليه لا يردونه، ومن عجزهم لا ينقلونه، فيذهب ولا يعرف اسمه، فلهذه الأسباب وغيرها تعذر إحصاء ما كتبه وما صنفه.
٥- وما كفى هذا، إلا أنه لما حُبس تفرّق أتباعه، وتفرقت کتبه.
٦- وخوفوا أصحابه من أن يظهروا كتبه، فذهب كل أحد بما عنده وأخفاه، ولم يظهروا كتبه، فبقي هذا يهرب بما عنده وهذا يبيعه أو يهبه، وهذا يخفيه ويودعه، حتى إن منهم من تسرق كتبه أو تجحد فلا يستطيع أن يطلبها، ولا يقدر على تخليصها، فبدون هذا تتمزق الكتب والتصانيف، ولولا أن الله تعالى لطف وأعان ومنَّ وأنعم، وجرت العادة في حفظ أعيان كتبه وتصانيفه، لما أمكن لأحد أن يجمعها، ولقد رأيت من خرق العادة في حفظ كتبه وجمعها، وإصلاح ما فسد منها، وردّ ما ذهب منها، ما لو ذكرته لكان عجباً، يعلم به كل منصف أن لله عناية به وبكلامه؛ لأنه يذب عن سنة نبيه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين))(١).
(١) العقود الدرية (ص٦٤ - ٦٦).