Aḥkām al-Qurʾān
أحكام القرآن
Editor
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
Genres
Tafsīr
مِنْهُمَا فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ فِي الْحَالَيْنِ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُ جِنَايَةِ الصَّحِيحِ لِمُشَارَكَةِ الْمَجْنُونِ وَحُكْمُ جِنَايَةِ الْعَامِدِ لِمُشَارَكَةِ الْمُخْطِئِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ مَا يَجِبُ لِوَلِيِّ قَتِيلِ الْعَمْدِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى] وَقَالَ تَعَالَى [وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ] وَقَالَ تَعَالَى [وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا] وَقَدْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْقَوَدَ مُرَادٌ بِهِ وَقَالَ تَعَالَى [وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ] وَقَالَ [فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ] فَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إيجَابَ الْقِصَاصِ لَا غَيْرُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُوجِبِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إلَّا الْقِصَاصُ وَلَا يَأْخُذُ الدِّيَةَ إلَّا بِرِضَى الْقَاتِلِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ الْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْقَاتِلُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ عَفَا الْمُفْلِسُ عن القصاص جاز ولم يكن لأهل الوصايا وَالدَّيْنِ مَنْعُهُ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُمْلَكُ بِالْعَمْدِ إلَّا بِمَشِيئَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إذَا كَانَ حَيًّا أَوْ بِمَشِيئَةِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ مَيِّتًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ ظَوَاهِرِ آيِ الْقُرْآنِ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ فِي اللَّفْظِ يُوجِبُ الْقِصَاصَ دُونَ الْمَالِ وَغَيْرُ جَائِزٍ إيجَابُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ نَسْخُهُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ تُوجِبُ نَسْخَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ] فَحَظَرَ أَخْذَ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا بِرِضَاهُ عَلَى وَجْهِ التِّجَارَةِ وَبِمِثْلِهِ
قَدْ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ)
فَمَتَى لَمْ يَرْضَ الْقَاتِلُ بِإِعْطَاءِ الْمَالِ وَلَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسُهُ فَمَالُهُ مَحْظُورٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا سَنَدَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (الْعَمْدُ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ)
وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّا أَوْ فِي زَحْمَةٍ لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ أَوْ رِمِّيًّا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِحَجَرٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ عَصًا فَعَقْلُهُ عَقْلُ خَطَأٍ وَمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَقَوَدُ يَدَيْهِ فَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
فَأَخْبَرَ ﷺ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْوَاجِبَ بِالْعَمْدِ هُوَ الْقَوَدُ وَلَوْ كَانَ لَهُ خِيَارٌ فِي أَخْذِ الدِّيَةِ لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْقَوَدِ دُونَهَا لأنه
1 / 185