Ahkam Quran
أحكام القرآن
Investigator
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Publisher Location
بيروت
السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ
وَقَتِيلُ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ وَالْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ هُوَ خَطَأُ العمد من وجهين أحدهما أن النبي ﷺ فسر قتيل خَطَإِ الْعَمْدِ بِأَنَّهُ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا فَإِذَا اشترك مجنون معه عصا وعاقل معه السيف فهو قتيل خطأ العمد لقضية النبي ﷺ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا خَطَأٌ أَوْ عَمْدٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَتْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَمْدًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْحَيِّزَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِنْ الْخَطَإِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ اقْتَضَى ظَاهِرُ لَفْظِ النَّبِيِّ ﷺ إسْقَاطَ الْقَوَدِ عَنْ مُشَارِكِهِ فِي الْقَتْلِ لِأَنَّهُ قَتِيلُ خَطَأٍ أَوْ قَتِيلُ خَطَإِ الْعَمْدِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيمَنْ اسْتَحَقَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ دِيَةً مُغَلَّظَةً وَمَتَى وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً انْتَفَى الْقَوَدُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ قَتِيلُ خَطَإِ الْعَمْدِ إذَا انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا قِيلَ لَهُ مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ فِيهِ بِالسَّيْفِ لَا تُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَقَتِيلَ خَطَأٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ كَانَ قَاتِلًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَتِيلًا لكل واحد منهما فاشتمل لَفْظَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَانْتَفَى بِهِ الْقِصَاصُ فِي الْحَالَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ اخْتِلَافُ حُكْمِ مُشَارَكَةِ الْمَجْنُونِ لِلْعَاقِلِ وَالْمُخْطِئِ لِلْعَامِدِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا وَهُوَ مَجْنُونٌ ثُمَّ أَفَاقَ وَجَرَحَهُ أُخْرَى بَعْدَ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ خَطَأً ثُمَّ جَرَحَهُ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ وَمَاتَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَارِحِ الْقَوَدُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ جِرَاحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْقَوَدِ وَالْأُخْرَى مُوجِبَةٌ يُوجِبُ إسْقَاطَ الْقَوَدِ وَلَمْ يَكُنْ لِانْفِرَادِ الْجِرَاحَةِ الَّتِي لَا شُبْهَةَ فِيهَا عَنْ الْأُخْرَى حُكْمٌ فِي إيجَابِ الْقَوَدِ بَلْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّتِي لَمْ تُوجِبْ قَوَدًا فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَوْ انْفَرَدَ أَوْجَبَتْ جِرَاحَتُهُ الْقَوَدَ وَالْأُخْرَى لَا تُوجِبُهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ سُقُوطِهِ أَوْلَى مِنْ حُكْمِ إيجَابِهِ لِحُدُوثِ الْمَوْتِ مِنْهُمَا فَكَانَ حُكْمُ مَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ أَوْلَى من حكم ما يوجبه والعلة فيهما مَوْتُهُ مِنْ جِرَاحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِمَّا تُوجِبُ الْقَوَدَ وَالْأُخْرَى مِمَّا لَا تُوجِبُهُ وَالْمَعْنَى الْآخَرُ مَا قَسَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ بَدِيًّا هُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ كَمَا لَمْ تَخْتَلِفْ جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ فِي حَالِ جُنُونِهِ ثُمَّ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ إذَا حَدَثَ الْمَوْتُ مِنْهُمَا وَجِنَايَةُ الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ إذَا حَدَثَ الْمَوْتُ
1 / 184