Aḥkām al-ṣiyām
أحكام الصيام
Editor
محمد عبد القادر عطا
Publisher
دار الكتب العلمية
Publication Year
1406 AH
Publisher Location
بيروت
Genres
ضررها على نفعها نهى عنها الشارع، كما نهى عن صيام الدهر، وقيام الليل كله، دائماً، وعن الصلاة بعد الصبح، وبعد العصر، مع أن خلقاً يجدون في المواصلة الدائمة نوراً بسبب كثرة الجوع، وذلك من جنس ما يجده الكفار من أهل الكتاب والأميين، مثل الرهبان، وعباد القبور، لكن يعود ذلك الجوع المفرط الزائد على الحد المشروع يوجب لهم ضرراً في الدنيا والآخرة، فيكون إثمه أكثر من نفعه. كما قد رأينا من هؤلاء خلقاً كثيراً آل بهم الإفراط فيما يعانونه من شدائد الأعمال إلى التفريط والتثبيط، والملل والبطالة، وربما انقطعوا عن الله بالكلية، أو بالأعمال المرجوحة عن الراجحة، أو بذهاب العقل بالكلية، أو بحصول خلل فيه، وذلك لأن أصل أعمالهم وأساسها على غير استقامة ومتابعة.
وأما قوله: أريد أن أقتل نفسي في الله. فهذا كلام مجمل، فإنه إذا فعل ما أمره الله به، فأفضى ذلك إلى قتل نفسه، فهذا محسن في ذلك كالذي يحمل على الصف وحده حملاً فيه منفعة للمسلمين، وقد اعتقد أنه يقتل، فهذا حسن.
وفي مثله أنزل الله قوله:
﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رؤوف بالعباد﴾ (٢٠)، ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي ﷺ. وقد روي الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب: ((أن رجلاً حمل على العدو وحده، فقال الناس: ألقي بيده إلى التهلكة. فقال عمر: لا، ولكنه ممن قال الله فيه: ﴿ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رءوف بالعباد﴾.
وأما إذا فعل ما لم يؤمر به، حتى أهلك نفسه، فهذا ظالم متعد بذلك: مثل أن يغتسل من الجنابة في البرد الشديد، بماء بارد، يغلب على ظنه أنه يقتله، أو يصوم في رمضان صوماً يفضي إلى هلاكه، فهذا لا يجوز، فكيف في غير رمضان.
(٢٠) سورة: البقرة، آية: ٢٠٧.
90