87

Adab Wa Hayat

الأدب والحياة

Genres

وقد اتسم عام 1992م بأنه عام «المناظرة الكبرى» في بريطانيا بين دعاة الحركة النسائية الذين أصبحوا ذوي قوة وبأس شديدين، وتكاثرت كتبهم وارتبطت بالمذاهب النقدية الجديدة (على رف المكتبة في منزلنا ما لا يقل عن عشرين كتابا منها، صدرت في السنوات القليلة الماضية) وبين المعارضين المحافظين الذين أساءوا فهم الحركة النسائية برمتها فتصوروا أنها تشكل تهديدا لحقوق الرجل في مملكته أو تتضمن التهديد بتغير صورة المجتمع وصورة الأسرة، ناسين أن هذه الصورة قد تغيرت بالفعل منذ أن حققت المرأة استقلالها الاقتصادي فلم تعد «عالة» على الرجل، ولم يعد عليها أن تتحمل في صمت ما يمليه «رب المنزل» الذي لم يصبح «ربا» إلا بفضل ما ينفقه من مال حرم المرأة أن تكسبه.

وبرز من هؤلاء كاتب اسمه نيل ليندون أصدر في الصيف (1992م) كتابا اسمه «كفانا حربا بين الجنسين»

NO MORE SEX WAR

يحاول فيه رد الظواهر الاجتماعية المقلقة في بريطانيا إلى الحركة النسائية، مثل زيادة معدلات الطلاق، وتشتت الأبناء، وتفتت الأسرات ، وزيادة الأعباء المالية التي تتحملها الدولة لرعاية الأسر المصابة وهلم جرا. ويستخدم ليندون في كتابه ما يسميه بلغة الأرقام والتي يزعم أنها لا تكذب، وأزعم أنا أنها أكذب اللغات! فالرقم في ذاته لا معنى له، وتفسيره قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا، وتفسيرات ليندون كاذبة في مجملها؛ فهو يتجاهل أبسط قواعد البحث العلمي التي نعرفها نحن الأكاديميين وهي تعدد العوامل؛ إذ لا يمكن رد ظاهرة مهما كانت سهلة الفهم إلى عامل واحد، وإذا كانت الحركة النسائية من عوامل تشتت الأسرة في بريطانيا؛ فأهم منها عامل الثورة على المجتمع وقيمه (أي على المؤسسة الاجتماعية) التي أعقبت الحرب العالمية، وعامل رفض الدين وقيمه، ولهذا دوافعه الفكرية في المجتمع الصناعي المادي وعوامل العزلة الفردية وما تلا تفتت الإمبراطورية البريطانية من تهرؤ في صورة الوطن كمؤسسة.

وقد ردت على الكتاب كاتبة لامعة هي إيفون روبرتس، بكتاب صدر في سبتمبر الماضي (1992م) وعنوانه «الولع بالرجال»

MAD ABOUT MAN

تكرر فيه ما سبق أن قيل في كتب الحركة النسائية، ثم تختتم حججها برصد إنجازات الحركة؛ مثل حصول المرأة على أجر مساو لأجر الرجل مقابل نفس العمل، والتمتع بالحق في الملكية الفردية، ومن قبل ذلك حق الانتخاب والمشاركة في الحقوق السياسية وما إلى ذلك.

أما «المناظرة الكبرى» فقد وصلت ذروتها يوم 5 أكتوبر 1992م حين انقسم المدافعون عن الحركة النسائية ومهاجموها (من الجنسين) إلى فريقين يستخدمان شتى الأساليب الانفعالية والمنطقية على حد سواء، يقود الفريق المدافع نايجيلا لوسون، بينما ما يزال ليندون على رأس المهاجمين. والغريب أن تلتقي بعض حجج الفريقين دون أن يدروا (وهي مسجلة في صفحات جريدة التايمز اللندنية) وأهمها وجود «عداء» أو «نفور» بين الجنسين - وقد يصل في بعض الأحيان إلى درجة التعصب الذي لا يصغي صاحبه إلى صوت المنطق.

هل هذا «النفور» أو «العداء» حقيقي؟ هل أدت الحركة النسائية إليه؟ هذا هو موضوع الجدل الدائر حتى الآن والذي لم تفلح الإحصائيات في إيضاح حقيقته.

ترقية أساتذة الجامعة

Unknown page