فقال الحسن: لقد قال ذلك قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى عليه: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. فجعل سبحانه اتباعه -عليه السلام- علما للمحبة، وأكذب من خالف ذلك، فاتق الله يا أيها الرجل في نفسك، وايم الله! لقد رأيت أقواما، كانوا قبلك في مكانك يعلون المنابر، وتهز لهم المراكب، ويجرون الذيول بطرا ورئاء الناس، يبنون المدر، ويؤثرون الأثر، ويتنافسون في الثياب، أخرجوا من سلطانهم، وسلبوا ما جمعوا من دنياهم، وقدموا على ربهم، فنزلوا على أعمالهم، فالويل لهم، والويل لهم يوم التغابن، ويا ويحهم {يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}.
وقيل: دخل عليه يوما آخر، فقال: أيها الأمير! أيدك الله، إن أخاك من نصحك في دينك، وبصرك عيوبك، وهداك إلى مراشدك، وإن عدوك من غرك ومناك.
أيها الأمير! اتق الله؛ فإنك أصبحت مخالفا للقوم في الهدي والسيرة، والعلانية والسريرة، وأنت مع ذلك تتمنى الأماني، فترجح في طلب العذر.
والناس -أصلحك الله- طالبان: فطالب دنيا، وطالب آخرة.
وايم الله! لقد أدرك طالب الآخرة واستراح، وتعب الآخر وحرم، فاحذر أيها الأمير أن تسعى لطلب الفاني، وتترك الباقي، فتكون من النادمين.
Page 106