Aclam Fikr Islami
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Genres
ترجمه العلامة الآلوسي في تاريخه «غرائب الاغتراب»، قال:
حضر لمصر كبيرا من بلده، فلم يتلق العلم بالأزهر بل جاءها عالما، ولقي شيوخها فأقروا بفضله وسعة علمه وذكائه، ثم جعل ناظرا لمسجد محمد بك أبي الذهب وأوقافه، وكانت نظارة المساجد المشهورة إذ ذاك تعطى للعلماء بتقرير من القاضي، فيباشرون شئونها وشئون الطلبة المقيمين بها ويستغلون أوقافها، فباشرها بعفة وأمانة وصرامة، واتصل بإبراهيم باشا ابن محمد علي فعرف فضله وأجله وائتنس بمجالسته، وجعله معلما للعربية لأولاده: أحمد ومصطفى وإسماعيل، وكان يرسل له عجلته
1
تنتظره عند الأزهر، فإذا أنهى الشيخ دروسه به ركب فيها وذهب إلى القصر العالي، فدرس للأمراء وتغدى مع والدهم وجالسه في غالب الأحيان، ثم يعود بالعجلة إلى مقره.
وحسنت حاله، واشترى دارا كانت ملاصقة للمسجد الحسيني وأزيلت بعد ذلك لما جددت عمارته، وكانت فيه حدة قل من يتحملها؛ لذلك لم يحضر عليه من شيوخ الأزهر إلا قليلون، منهم: الشيخ إبراهيم السقاء، والشيخ مخلوف المنياوي، وآخرون.
وكان عالما علامة متينا في مباحثه، ذا ذكاء مفرط، وكان الشيخ إبراهيم السقاء يأسف لأن أحدا من أهل الأزهر لا يعلم أستاذه هذا كما ينبغي.
وطلب منه الشيخ مخلوف مرة أن يقرأ لهم «المطول» فأبى وتعلل بعدم وجود الأكفاء لحضوره، فكتب الشيخ مخلوف شكوى طاف بها على الطلبة فوقعوا عليها، ثم بعث بها إلى الديوان الخديوي، وفيها أنه لا يوجد بين علماء الأزهر من هو أقدر منه على قراءة «المطول»، ولكنه لا يريد قراءته، فطلبوا الشيخ في الديوان وألزموه أن يقرأ الكتاب، فصدع بالأمر وقرأ منه دروسا، ثم حال نفيه من مصر دون إتمامه.
وسبب نفيه أن عباسا الأول كان قبل توليته يحضر مجلس عمه إبراهيم والشيخ معه، وكان عمه يؤنبه على لعبه بالحمام ولهوه ويشتد عليه، فيساعده التميمي، ويسمع عباسا الكلام القارص، حتى كان يخاطبه بالتصغير، ويقول له: يا غلام، اسمع نصائح عمك، فحقد عليه عباس، ولما مات عمه إبراهيم وتولى هو بعده، خشي المترجم العاقبة وذهب إلى عباس في قصره لترضيته وإزالة ما في نفسه منه، فقال له عباس: ليس عليك بأس، ولكن لا تساكنني في بلد أنا فيه، وأمر بنفيه في الحال، وأرسل من أعوانه من حمل متاعه وتولى ترحيله إلى الحجاز.
ولم تطل إقامة الشيخ بالحجاز إذ سافر مع المحمل الشامي في عودته للشام، وأبحر من بيروت إلى القسطنطينية، وذلك بمساعدة بعض الأمراء المنفيين معه، كما سعوا له عند السلطان عبد الحميد فرتب له حوالي خمسين دينارا في الشهر، وأقام بها يقرئ ويفيد حتى وافاه أجله ودفن بها حوالي سنة 1286ه.
وحدث الشيخ زين المرصفي قال: لما وفدت على القسطنطينية لم يكن لي هم إلا رؤية الشيخ، فسألت عن داره حتى اهتديت إليها، وطلبت مقابلته فأبى، ثم احتلت لمقابلته بأني قادم من مصر ومعي أمانة له، فنزل وقابلني، وأخذ يسألني عن الأزهر وأحواله ومن يدرس فيه، فذكرت له بعض كبار المشايخ مثل: السقاء، والدمنهوري، والأشموني، وأضرابهم، فأظهر الاستنكار والأسف، وصار يصفق بيديه ويقول: «خلا لك الجو فبيضي واصفري» ويكررها، ثم سألني عن الأمانة التي حملتها إليه، فلما أجبت بأنها تحيات زملائه وتلاميذه، قام وتركني.
Unknown page