Abū Nuwās: al-Ḥasan b. Hāniʾ
أبو نواس: الحسن بن هانئ
Genres
وبديه أن النظر في غزل أبي نواس لا محل فيه للكلام على وفاء العشاق بالمعنى، الذي عرفه قراء الأدب العربي من أخبار العذريين، بل لا محل فيه حتى للتجمل الذي كان يناسب سمت الشعراء الغزليين من أمثال ابن أبي ربيعة، فقد كانت بيئة أبي نواس بعيدة عن بساطة البداوة، وبعيدة عن تجمل ذوي البيوتات من الفتيات والعقائل، وكانت بيئته على الأكثر بين الجواري والقيان وبين المتعرضين لشعراء المجون من الغلمان، وقد زاد عدد معشوقاته المذكورات في ديوانه على عشر، منهن جنان ودر ودنانير ونبات وحسن ومنى ومنية وسمجة وعنان ومكنون وعريب وقاتل، عدا اللاتي تغزل بهن ولم يذكر أسماءهن، وكان يبث لوعته لعنان في إبان مناجاته لجنان، فيقول:
لولا حذاري من جنان
لخلعت عن رأسي عناني ... ... ... ... ... ... ... ...
يا من يلوم علي الصبا
دعني فشأنك غير شأني
لم تلق من حرق الهوي
ما قد لقيت على عنان
وتغزل بمثل هذا العدد أو أكثر من المعشوقين، فلم يحرص على ظاهر الوفاء فضلا عن مضمره ومكنونه، ولم يكن عرف البيئة يتطلب منه هذا المظهر في غزله بالمؤنث أو غزله بالمذكر، فما كان الغزل في عرفهم إلا تسلية وتزجية فراغ وشغلانا بثرثرة المجالس، ووشايات المجتمع ومناوشات الأندية التي يجتمع فيها الشاربون، وطلاب السماع والمسمعات أو المسمعون من القيان والمغنيين.
ذلك كان ديدن العصر بجملته. أما الزيادة من أبي نواس على عرف عصره، فهي زيادة الطبيعة الموكلة بالعرض والتشخيص، وهي زيادة الطبيعة النرجسية التي تجعل العاطفة نحو غيره كالمنقولة أو العارية المستردة؛ لأن النرجسي كما تقدم يتمثل نفسه في غيره، ولا يحب ذلك الغير إلا بمقدار الدور الذي يحكيه أو الزي الذي لا يلبث أن يخلعه، وبخاصة حين يكون النرجسي كأبي نواس «مشترك الجنس» قادرا على تمثل شخصه في الإناث والذكور، وعلى تمثل نفسه محبوبا للرجال والنساء.
ويبدو لنا أن شعره الذي يعلن فيه زهده في المرأة إنما كان من إعراض المرأة عنه لا من إعراضه هو عن المرأة، وأنه كان يشتهي المرأة فلا يستهويها فيداري خيبته معها، ويوهم الناس أنه يتركها باختياره، ولا يتركها على الكره منه.
Unknown page