175

Abū Nuwās: al-Ḥasan b. Hāniʾ

أبو نواس: الحسن بن هانئ

Genres

يتثنى بقوام كالغصن

ميمه شف فؤادي في الهوى

وبحاء، فيه قلبي قد فتن

وبميم بعدها أقلقني

وبدال سل روحي من بدن

هذه أمثلة متفرقة من غزل أبي نواس في المؤنث والمذكر، جمعناها بين جدها وهزلها، ومبالغتها واعتدالها، وجيدها ورديئها، وعرضناها معا ليقابل بينها من يشاء كما قابلنا بينها، فهي على ما نرى سواء في لبابها وقشورها، لا يجزم الناقد برجحان غزل المؤنث منها على غزل المذكر، ولا برجحان غزل المذكر منها على غزل المؤنث، وإذا اتفق تفضيل قطعة من هذا الغزل على قطعة من ذلك الغزل، فكما يتفق تفضيل القطعة على الأخرى في الغزل الواحد، أو كما يتفق التفاضل بين كلام الشاعر في بعض أغراضه أو في جميع أغراضه، فلا يكون الشاعر مجيدا في كل ما يقول ولو قصر النظم على بابه الذي فرغ له، ولم يستحسن له قول في غيره.

وتتشابه الصفات والملامح التي يهواها الشاعر في معشوقاته ومعشوقيه، ويهوى المعشوقة أحيانا؛ لأنها «مذكرة مؤنثة» ويهوى المعشوق أحيانا؛ لأنه «متفتر وفيه تأنيث»، فكما يكون من محببات الأنثى إليه أنها تشبه الغلام في بعض أوصافه، كذلك يكون من محببات الأنثى إليه أنها تشبه الأنثى في بعض الأوصاف.

إنما جزم بعض النقاد برجحان غزله في المذكر على غزله في المؤنث؛ لأنهم ساقوا أنفسهم اضطرارا إلى هذا الترجيح، وفرضوا فرضهم الأول بغير فهم لحقيقته، ثم ألزموا أنفسهم نتائجه عن اعتساف لا دليل عليه.

فرضوا أن الشذوذ الجنسي شيء واحد يستلزم أن يكون الشاذ منحرفا إلى هوى أبناء جنسه، ثم وجدوا أبا نواس يتغزل بالجواري كما يتغزل بالغلمان، ووجب أن يعللوا هذه الغرابة فعللوها بالصدق في أحد الغزلين والكذب في الغزل الآخر، ولكنهم إذا رجعوا إلى الحقيقة لم يجدوا علامة من علامات الصدق عندهم ينفرد بها غزل المذكر أو غزل المؤنث، سواء نظروا إلى التعبير عن الشعور، أو نظروا إلى الإجادة الفنية، وهذا على فرض أن الإجادة الفنية شرط من شروط الشعور الطبيعي في أهل الفنون وفي سائر الناس.

وتصحيح هذا الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى العلل النفسية، كما شرحتها الدراسات الأخيرة، فأصل الخطأ سوء فهم الشذوذ الجنسي الذي انطوت عليه طبيعة أبي نواس، فلم يكن شذوذه يستلزم الشغف بأبناء جنسه دون غيرهم، ولم يكن جنسه هو سويا غير مشترك حتى يظن أنه يميل إلى جنس واحد، وإنما كانت له طبيعة جنسية تشتبه بكلا الجنسين، وتتشكل بهذا الشكل مرة وبذلك الشكل مرة أخرى، على حسب غوايات الطبيعة النرجسية، ومن ثم حبه الفتى؛ لأنه كالفتاة وحبه الفتاة لأنها كالفتى، ونظرته إلى الرجولة بعين المرأة في بعض الأحايين.

Unknown page