أحدهما: ولكن ليطمئن قلبي: بمعنى ليأمن قلبي من الخواطر التي لا تنافي صريح الإيمان، ولكنه يكرهها ويخاف أن تحدث له إذا لم يكن قد شاهد إحياء الموتى، وتفسير الاطمئنان بالأمن يناسب ما في آية صلاة الخوف، {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة}[النساء:103]الآية من سورة النساء، وفي آية سورة البقرة: {فإذا أمنتم فاذكروا الله}[البقرة:239]الآية.
الاحتمال الثاني: ليسكن قلبي ويستريح عن تكرار النظر وتذكر دلائل البعث إذا صار إحياء الموتى ضروريا لا يحتاج قلبي فيه إلى النظر، وتفسير الاطمئنان بهذا يناسب الاطمئنان في حديث المسيء صلاته، نحو: ثم اركع حتى تطمئن راكعا.
فجعل الآية دليلا على حدوث الشك والارتياب في قلب إبراهيم عليه السلام نكارة في رواية الزهري.
ثم إنها تلزمهم فيها نكارة أخرى، حيث جعل صاحب المقام المحمود الذي روى القوم في شفاعته تلك الروايات التي ذكروا فيها تعذر الشفاعة من الأنبياء وقصورهم عنها إلا محمد وجعلوا سبب تعذرها من إبراهيم عليه السلام ما رموه به من الكذبات الثلاث -بزعمهم- وحاشاه.
فكيف كان محمد أحق بالشك؟ وهو الذي سيكون أحق بالشفاعة من جميع الأنبياء؟!
فهذه نكارة في رواية الزهري.
فأما تأويلهم لها بأن المعنى: نحن أحق بالشك من إبراهيم لو شك، وعلى هذا فليس فيها إثبات الشك، بل المعنى: لو شك إبراهيم لكنا أحق بالشك منه، لكنه لم يشك فلسنا أحق بالشك.
فالجواب: أن هذا تأويل لا يستقيم، إلا بزيادة (لو) التي هي حرف امتناع لامتناع؛ لأنها هي التي قلبت المعنى من الإثبات إلى النفي، ومثل هذا لا يصح، ولو صح ذلك لصح تقدير (ما) النافية قبل الحديث فيكون: ما نحن أحق بالشك، وهذا تأويل تعسف.
Bogga 63