فإن قيل: ليس المراد [من] التأويل هذا، وإنما نعني إن إبراهيم لم يشك، فقول رسول الله: ((نحن أحق بالشك)) لا يقتضي أنه شك لجواز أن يكون الشك جائزا على إبراهيم، لكنه غير واقع، ويكون على محمد أجوز مع أنه لم يشك أيضا، وليس في ذلك حاجة إلى تقدير (لو).
فالجواب: أن هذا لا يصح أن يفسر به: ((نحن أحق)) لأن معناه أن إبراهيم كان حقيقا بالشك ومحمد أحق منه، إذا كان فعل التفضيل يقتضي المشاركة بين المفضل والمفضل عليه وزيادة للمفضل، وإلا فهو يقتضي أن محمدا حقيق بالشك، وهذا أكثر من نسبة جواز الشك إليه، بل معناه: أنه مظنة للشك.
وحاشاهما، بل كلاهما بعيد من الشك، لا يجوز عليه؛ لأجل العصمة، فبطل التأويل، وظهرت نكارة الروايات، وقويت تهمة الزهري.
فصل
فأما رواية الزهري في قصة الحديبية فأخرج البخاري (1) من طريق الزهري روايته عن مروان بن الحكم والمسور عن عروة بن مسعود أنه قال لرسول الله: فإني -والله- لا أرى وجوها، وإني لأرى أشوأبا من الناس خليقا أن يفروا عنك ويدعوك، فقال له أبو بكر: امصص ببظر اللات، أنحن نفر عنه؟!
وفي هذا نكارة؛ لأن أبا بكر لم يكن هو الحقيق بأن يجيب بهذا الجواب المبدوء بهمزة الإنكار، إنما يليق بمن قد عرفت منه البطولة والثبات في المواطن الشديدة، أما أبو بكر فقد انهزم في خيبر وحنين، فلا تليق به المبادرة بهذا الجواب، بل غيره أحق به، لو سلم من ذكر البظر ومصه.
ووجه التهمة للزهري أنه يحب تعظيم أبي بكر وعمر وتصويرهما وزيري رسول الله وكبيري الصحابة، وأنهما في ثبات وصلابة الدين بحيث يفضلان سائر الصحابة، وأنهما خاصة الخاصة لرسول الله ليتقرر أنهما أحق الناس بخلافته، فهذه تهمة للزهري حيث جاء بالرواية المنكرة لينصر بها بدعته.
Bogga 64