فقد روى البخاري في صحيحه(1) عن ابن الزبير قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله كما يحدث فلان وفلان قال: أما إني لم أفارقه ولكن سمعته يقول: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)). انتهى.
فهذه تكذب دعوى انفراد أبي هريرة برسول الله دون المهاجرين لقول الزبير: أما إني لم أفارقه.
وأخرج البخاري(2) عن أبي هريرة من طريق غير الزهري عن أبي هريرة: ما من أصحاب النبي أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب.
ففي هذا دلالة على إقراره بملازمة عبدالله بن عمرو، وأنه أكثر حديثا من أبي هريرة بسبب حفظه بالكتابة.
ولعل أبا هريرة ادعى لنفسه الدعوى في عهد معاوية، وبعد موت كبار الصحابة، فليس فيها ذكر المهاجرين والأنصار كرواية الزهري، فلا يبعد أن يجترئ على الدعوى المذكورة، وذلك في عهد معاوية وولاية مروان على المدينة المنورة ورفعهم شأن أبي هريرة، فأما قبل ذلك فلا.
الباعث على وضع الرواية
اعلم أن الزهري يروي كثيرا عن بعض مشائخه عن أبي هريرة، ويعجبه حديث أبي هريرة الذي قربته الأموية، حتى استخلفه مروان على المدينة في بعض الوقت.
قال ابن حجر في تهذيبه: وتأمر على المدينة غير مرة في أيام معاوية.
ولما كان حديث أبي هريرة كثر جدا، حتى اتهم أبو هريرة لتأخر إسلامه وكون مدة صحبته ثلاث سنين تقريبا(3) وكان أبو هريرة قد حاول دفع التهمة بدعوى الحفظ الخارق، ورواية قصة الشملة(4) على اضطرابها، فلا يبعد أن الزهري لم يعجبه الاقتصار على ذلك لاضطراب متن الرواية وتفرد أبي هريرة بها، وأهمه الدفاع عن أبي هريرة، فلجأ إلى الرواية أنه كان انفرد برسول الله دون المهاجرين والأنصار، فكان أكثرهم سماعا، ومع ذلك إنه كان أكثرهم حفظا.
Bogga 57