347

وسار السلطان نحو مقصده، وأقبل الشيخ الجليل على ما جعل بصدده، فهذب الأمور، ونظم المنثور، ووظف الأموال، وصرف العمال، ورد صاحب الديوان أبا [196 ب] إسحاق على جملته إلى خراسان مستوفيا عليهم ما يلزمهم من حاصل وباق، وعتيق وناض «1». وقعد في الدست «2» كالبدر المنير، والسيف الشهير، منفردا بالتدبير، محتشدا لروعة الملك وهيبة السرير. فلما اتفق عود السلطان إلى قرار غزنة «3»، وشاهد الأمور في كنف وزارته منظومة العقود، مضبوطة الحدود، والأموال وافرة الريوع، حافلة الضروع، رسم له بأن ينحدر إلى خراسان، مستنظفا ما وهى أو وهن صاحب الديوان في جبايته واستيفائه، وقصر أو قصر عن تبرضه «4» وامترائه «5». فانحدر إلى هراة، وهيبته تأخذ النفوس بمخنقها، وتختلج القلوب عن معلقها. ويكاد ينطق له كل مال مخزون، ويلفظ إليه كل درهم مدفون، فجمع «6» عن تسمح «7» النفوس بما جمعته، واستكراهها عما منعته، مالا لم «8» يسمع بمثله محمولا من خراسان أذهابا وأوراقا، وقصبا «9» رقاقا، وغلمانا «10» رشاقا، وأفراسا عتاقا. وتلاقت الرفائع «11» على صاحب الديوان بما ناله من صنوف المنافع، ووجوه المطامع. فسامه «1» السلطان تصحيحها تسبيبا، وحملا إلى بيت المال قريبا. فاعتزل العمل، ونزل [197 أ] عن كل ما حصل، وفزع من بعد إلى خاص أملاكه وضياعه، ومواشيه وكراعه، وتجمله وأثاثه، حتى حلي إناثه، فحل ما اعتقده منها على مال مصادرته، وما جمع عليه من بقايا عمله.

Bogga 362