200

Daawada Nabiga

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Daabacaha

دار الهلال

Lambarka Daabacaadda

-

Goobta Daabacaadda

بيروت

وَالْعِشْقُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ: اسْتِحْسَانٍ لِلْمَعْشُوقِ، وَطَمَعٍ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهِ، فَمَتَى انْتَفَى أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْعِشْقُ، وَقَدْ أَعْيَتْ عِلَّةُ الْعِشْقِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ وَتَكَلَّمَ فِيهَا بَعْضُهُمْ بِكَلَامٍ يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهِ إِلَى الصَّوَابِ. فَنَقُولُ: قَدِ اسْتَقَرَّتْ حِكْمَةُ اللَّهِ- ﷿ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ عَلَى وُقُوعِ التَّنَاسُبِ وَالتَّآلُفِ بَيْنَ الْأَشْبَاهِ، وَانْجِذَابِ الشَّيْءِ إِلَى مُوَافِقِهِ وَمُجَانِسِهِ بِالطَّبْعِ، وَهُرُوبِهِ مِنْ مُخَالِفِهِ، وَنُفْرَتِهِ عَنْهُ بِالطَّبْعِ، فَسِرُّ التَّمَازُجِ وَالِاتِّصَالِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، إِنَّمَا هُوَ التَّنَاسُبُ وَالتَّشَاكُلُ، وَالتَّوَافُقُ، وَسِرُّ التَّبَايُنِ وَالِانْفِصَالِ، إِنَّمَا هُوَ بِعَدَمِ التَّشَاكُلِ وَالتَّنَاسُبِ، وَعَلَى ذَلِكَ قَامَ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، فَالْمِثْلُ إِلَى مِثْلِهِ مَائِلٌ، وَإِلَيْهِ صَائِرٌ، وَالضِّدُّ عَنْ ضِدِّهِ هَارِبٌ، وَعَنْهُ نَافِرٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها «١» فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عِلَّةَ سُكُونِ الرَّجُلِ إِلَى امْرَأَتِهِ كَوْنَهَا مِنْ جِنْسِهِ وَجَوْهَرِهِ، فَعِلَّةُ السُّكُونِ الْمَذْكُورِ- وَهُوَ الْحُبُّ- كَوْنُهَا مِنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، وَلَا الْمُوَافَقَةِ فِي الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، وَلَا فِي الْخُلُقِ وَالْهَدْيِ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ أَيْضًا مِنْ أَسْبَابِ السُّكُونِ وَالْمَحَبَّةِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» «٢» وَفِي «مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ» وَغَيْرِهِ فِي سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ امْرَأَةً بِمَكَّةَ كَانَتْ تُضْحِكُ النَّاسَ، فَجَاءَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَنَزَلَتْ عَلَى امْرَأَةٍ تُضْحِكُ النَّاسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ» الْحَدِيثَ «٣» . وَقَدِ اسْتَقَرَّتْ شَرِيعَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ، فَلَا تُفَرَّقُ شَرِيعَتُهُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ أَبَدًا وَلَا تَجْمَعُ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ، وَمَنْ ظَنَّ خِلَافَ ذَلِكَ، فَإِمَّا لِقِلَّةِ عِلْمِهِ بِالشَّرِيعَةِ، وَإِمَّا لِتَقْصِيرِهِ فِي مَعْرِفَةِ التَّمَاثُلِ وَالِاخْتِلَافِ، وَإِمَّا لِنِسْبَتِهِ إِلَى شَرِيعَتِهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، بَلْ يَكُونُ مِنْ آرَاءِ الرِّجَالِ، فَبِحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ ظهر خلقه وشرعه،

(١) الأعراف- ١٨٩. (٢) أخرجه البخاري في الأنبياء، ومسلم في البر والصلة. (٣) أخرجه أحمد.

1 / 202