Tasawwuf Wa Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Noocyada
شيوخه في الطريق
يقول شيخ المتصوفة القشيري في ترجمة أبي علي الثقفي: «لو أن رجلا جمع العلوم كلها، وصحب طوائف الناس كلهم، لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة، من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح، ومن لم يأخذ أدبه من أستاذ يربيه ويريه عيوب أعماله، ورعونات نفسه، لا يحل الاقتداء به في تصحيح المعاملات.»
ويقول الشعراني: «... ولو أن طريق القوم يوصل إليها بالفهم لما احتاج مثل الغزالي وعز الدين بن عبد السلام إلى شيخ، مع أنهما كانا يقولان قبل دخولهما الطريق: من قال: إن ثم طريقا للعلم غير ما بأيدينا فقد افترى على الله كذبا، فلما دخلا الطريق كانا يقولان: قد ضيعنا عمرنا بالبطالة والحجاب.»
والمتصوفة جميعا قد أجمعوا على أن السالك لطريق الله لا بد له من شيخ مرشد، ليكشف له الصحيح من الزائف في الإلهامات والواردات، وليعلمه الأدب وطرائق التحلي به، وليفصل له في خواطر قلبه، وليعصمه من الزلل، وليداوي أمراضه النفسية، من الكبر والرياء وحب الدنيا والحسد والغل والنفاق وأمثالها.
فالتصوف إلهامات تبدأ بعد نهايات أهل الفكر والدرس، وقوامه معان واستنباطات، وفهم في أسرار القرآن، فلا بد لرائده من مصباح وهاد، والشيخ هو المصباح الهادي.
والتصوف آداب وتزكية نفوس، وتطهير أخلاق، ومجاهدات، وتصحيح معاملات، والشيخ هنا يثبت ويرشد ويلهم ويفصل الآيات.
ثم يقول الشعراني ردا على من يقول بأن السلف الصالح لم يعرف هذا اللون من التربية، وهذا اللون الممثل في الشيخ والمريد: «وقد كان السلف الصالح لصفاء نفوسهم وقلوبهم لا يحتاجون في طريق العمل بعلمهم إلى شيخ لعدم الموانع، وصار الناس اليوم لهم موانع لا تحصى؛ لذلك وجب اتخاذ شيخ يرشد إلى طريق إزالة هذه الموانع، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإن اشتغل المريد بعد ذلك بالعلم، أو صلى أو صام، أو تورع أو زهد، كان محفوظا من الرعونات التي تجرح مقام الإخلاص أو تحبط العمل.
وحقيقة الصوفي هو عالم عمل بعلمه، على وفق ما أمر الله به. وكانت صور مجاهداتي لنفسي من غير شيخ أنني كنت أطالع كتب القوم؛ كرسالة القشيري، وعوارف المعارف، والقوت لأبي طالب المكي، والإحياء للغزالي، ونحو ذلك، وأعمل كالذي يدخل دربا لا يدري هل ينفذ أم لا؟ فإن رآه نافذا خرج منه، وإلا رجع من التعب. فهذا مثال من لا شيخ له، فإن فائدة الشيخ إنما هي اختصار الطريق للمريد، ومن سلك من غير شيخ تاه، وقطع عمره ولم يصل إلى مقصوده؛ لأن مثال الشيخ مثال دليل الحجاج إلى مكة في الليالي المظلمة.»
ثم يقول: «والشيخ في الطريق ضرورة لازمة، بالغ ما بلغ علم المريد، ولو حفظ آلاف الكتب فهو في هذه الحالة كمن يحفظ كتابا في الطب ولا يعرف عمليا منازل الدواء على الداء، فإذا سمعه سامع وهو يدرس الكتاب قال: إنه طبيب عظيم، فإذا رآه حين يسأل عن اسم المرض وكيفية إزالته علم حينئذ مقدار جهله.» «ويشترط في الشيخ - كما يقول الشعراني - فوق تعبده ووصوله، أن يكون متبحرا في علوم الشريعة على اختلاف أنواعها، عارفا بالأصول ومذاهب الأئمة الأربعة وغيرها، بحيث يعرف أدلتها ومنازع أقوالها، محيطا بأم الكتاب التي يتفرع منها كل قول.»
ولما جاء ميقات الشعراني ليسلك الطريق إلى باريه وهاديه، سلوكا كما اشترط المتصوفة، وكما رسمه العابدون الواصلون الأولون، أشار عليه «أحمد البهلول» صفيه ونجيه، بأنه وإن كان قاب قوسين أو أدنى من النور الرباني والفتح الإلهي، إلا أن القمم العالية لا يعبدها إلا الشيخ السالك المدرب الموهوب المأذون له.
Bog aan la aqoon