والفاضل من هذه الأشياء هو أن يستعمل من كل واحد منها ما هو أبين وأظهر وأشبه. وهذا لا يوجد إلا فى النادر من الشعراء. وذلك أن استعمال الأبين من هذه الأشياء والأشبه هو دليل المهارة. وهذا الصنف هو الذى يجمع إلى جودة الإفهام فعل الأقاويل الشعرية، أعنى تحريك النفس. مثال ذلك أن الإبدال إذا كان شديد الشبه أفاد جودة التخييل والإفهام معا. وربما عرض من الإبدال المناسب قلة الفهم عند الفدم من السامعين، كما عرض فى قوله تعالى: «حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود» — أن ظن بعضهم أنه الخيط الحقيقى فنزلت: «من الفجر».
قال: والأسماء المركبة تصلح للوزن الذى يثنى فيه على الأخيار من غير تعيين رجل واحد منهم.
وهذه الأسماء هى قليلة الوجود فى لسان العرب، وهى مثل قولهم: العبشمى — المنسوب إلى عبد شمس.
وأما اللغات فتصلح للشعر الذى يذكر فيه أمر المعاد وما فيه من الأهوال. وكان صنفا من الشعر عندهم معروفا.
وأما الأسماء الغريبة المنقولة فتختص بالأشعار التى تقال فى الأمثال والحكم والقصص المشهورة.
قال: ففيما قلناه فى صناعة المديح وفى الأشياء المشتركة لأصناف الأشعار من التشبيه وغير ذلك كفاية. والأشعار القصصية سبيلها، فى الأجزاء التى هى المبدأ والوسط والنهاية، سبيل أجزاء صناعة المديح. وكذلك فى المحاكاة. إلا أن المحاكاة ليس تكون للأفعال فيها، وإنما تكون للأزمنة الواقعة فيها تلك الأفعال، وذلك أنه إنما يحاكى فى هذه كيف كانت أحوال المتقدم مع أحوال المتأخر، وكيف تنقل الدول والممالك والأيام.
ومحاكاة هذا النوع من الوجود قليل فى لسان العرب، وهو كثير فى الكتب الشرعية. وذكر مجيدين فى هذا الصنف من شعرائهم، وأثنى ثناءا عاما على أوميرش. ومن جيد ما فى هذا المعنى للعرب قول الأسود ابن يعفر: PageV01P24 5
قال: وأجزاء هذا النوع هى أجزاء صناعة المديح العفية من: الإدارة، والاستدلال، والتركيب منهما. وربما كان بعض أجزائها انفعاليا كالحال فى صناعة المديح وصنائع الشعر.
وأحكامها فى التلحين والغناء أحكام صناعة المديح. وذكر فروقا بين صناعة المديح وبين صنائع الشعر الأخر عنهم، وخواص تختص بها تلك الأشعار الأخر فى الأوزان والأجزاء والمحاكاة والقدر؛ وأن ها هنا أوزانا هى أليق ببعض الأشعار من بعض. وذكر من أجاد من الشعراء فى هذه الأشياء ومن لم يجد. وأثنى فى هذا كله على أوميرش.
وكل ذلك خاص بهم وغير موجود مثاله عندنا: إما لأن ذلك الذى ذكر غير مشترك للأكثر من الأمم، وإما أنه عرض للعرب فى هذه الأشياء أمر خارج عن الطبع — وهو أبين، فانه ما كان ليثبت فى كتابه هذا ما هو خاص بهم، بل ما هو مشترك للأمم الطبيعية.
قال: وينبغى أن يكون ما يأتى به الشاعر من الكلام يسيرا بالإضافة إلى الكلام المحاكى، كما كان يفعل أوميرش: فانه إنما كان يعمل صدرا يسيرا، ثم يتخلص إلى ما يريد محاكاته من غير أن يأتى فى ذلك بشىء لم يعتد، لكن ما قد اعتيد، فان غير المعتاد منكر.
Bogga 246