وإنما قال ذلك. فيما أحسب — لأن للأمم فى تشبيهاتهم عوائد خاصة مثل قول امرئ القيس:
يهيل ويذرى تربها ويثيره إثارة نباث الهواجر مخمس
وكذلك تشبيههم الضب بالنون لمكان السراب الموجود فى بلادهم. ومن هذا قول الله تعالى: «والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة».
قال: ومتى طال الكلام وليس فيه تغيير ولا محاكاة، فينبغى أن يعتنى فى ذلك بايراد الألفاظ البينة الدلالة، وهى التى تدل على أشياء بأعيانها، لا على أشياء متضادة أو مختلفة؛ ويكون تركيبها على المشهور عندهم، وتكون سهلة عند النطق.
ويشبه أن يكون هذا هو أكثر ما ينطلق عليه فى لسان العرب اسم: «الفصاحة»، إلا أن يكون ذلك القول ظاهر الصدق ومشهورا. فان الصدق الذى يتضمنه يشفع لما فيه من قلة الفصاحة وقلة التغيير والمحاكاة.
قال: والغلط الذى يقع فى الشعر ويجب على الشاعر توبيخه فيه ستة أصناف:
(أحدها) أن يحاكى بغير ممكن، بل ممتنع. ومثال هذا عندى قول ابن المعتز يصف القمر فى تنقصه:
انظر إليه كزورق من فضة قد أثقلته حمولة من عنبر
فان هذا ممتنع. وإنما آنسه بذلك شدة الشبه، وأنه لم يقصد به حث ولا نهى، بل إنما يجب أن يحاكى بما هو موجود أو يظن أنه موجود، مثل محاكاة الأشرار بالشياطين، أو بما هو ممكن الوجود فى الأكثر، لا فى الأقل أو على التساوى، فان هذا النوع من الموجود هو أليق بالخطابة منه بالشعر.
Bogga 247