- ولما كانت احدى المقدمات التي يستعملها في هذا البيان: ان اجزاء الجسم الواحد بعينه تتحرك إلى موضع واحد بالعدد، وكان قد يمكن أن يعاندها بأن يقال ان موضع الاسطقسات أعني الفوق والأسفل غير محدودة، شرع في أن يبين أن هذه المواضع محدودة. وقد كان سلف له القول في ذلك، الا أنه يكرره هاهنا على جهة الاسظهار. وهو يستعمل في تبيين هذا المعنى برهانيين. أحدهما: ان كل متغير فانما يتغير من شيء والى شيء، وما منه يتغير الشيء وما إليه يتغير الشيء متقابلان. وذلك ظاهر بالاستقراء في جميع أصناف المتغيرات. مثال ذلك في الاستحالة: التغير من المرض إلى الصحة، ومن الصحة الى المرض. وكذلك النامي المضمحل يتغير من عضم محدود إلى عظم محدود. والمتحرك أيضا في المكان حركة استقامة يتحرك من العلو إلى السفل، ومن السفل إلى العلو. وليس تلفي الحركة إلى الجهات المتقابلة في النقلة التي تكون على استقامة (فقط)، بل قد يلفي أيضا تقابل ما في أجزاء الحركة المستديرة. وان كان ذلك غير موجود في جملتها فانها ليس لها ضد كما تبين. وإذا تقرر أن كل متحرك فانما ينتقل من مقابل إلى مقابل، وكانت المتقابلات محدودة فكل متحرك انما يتحرك من شيء محدود وإلى شيء محدود. والمتحرك في المكان متحرك إلى الفوق والأسفل، فالفوق والأسفل محدود. والبيان الثاني نسقه هكذا: المتحرك في المكان كلما قرب مما إليه يتحرك كان أسرع حركة، وسرعة الحركة الواحدة بعينها متناهية، فما إليه يتحرك المتحرك محدودة متناه. ولما تبين له هذا المعنى أخذ يبين أمرا آخر. فد كان استعمله قبل (هذا) وهو: ان الحركة الطبيعية موجودة. وذلك ان لقائل أن يقول: ان كل حركة فهي قسرية، وان هذه الأجسام البسيطة التي يظن أنها تتحرك بطبعها، انما هي متحركة عن غيرها، وذلك عندما يضغط بعضها بعضا من حركة هذا الكل، وإذا كانت حركتها قسرا لم يكن لها مواضع محدودة. فهو يرد هذاو ريقول: انه لو كان الأمر كذلك، لكانت حركة النار العظيمة الى فوق، أبطأ من حركة النار اليسيرة. وكذلك حركة الأرض العظيمة إلى أسفل أبطأ من حركة الأرض الصغيرة، وذلك ان كل كا يتحرك قسرا فانما يتحرك عن غيره من خارج، وكل ما يتحرك قسرا عن محرك من خارج، فكلما كان المتحرك أعظم كانت حركته أبطا للمقاومة التي توجد هنالك بين المتحرك والمحرك، لكن ليس تاأمر في الاسطقسات كذلك، فواجب أن تكون حركتها طبعا لا قسرا. ودليل آخر وهو: أنه لو كانت هذه الحركة قسرا لوجب أن تكون أبطا، إذا قربت مما إليه الحركة. لأنه إذا قرب المتحرك قسرا مما إليه يتحرك بعد عن دافعه، وإذا بعد عن دافعه أبطات حركته، .، كالحالفي الأشياء التي تتحرك زمانا (ما) عن الرامي والضاغط. لكن المشاهدة ضد ذلك، أعني: أنه كلما قربت الأشياء المحركة من مواضعها التي إليها تتحرك، اشتدت حركتها. فالأشياء المتحركة إلى فوق وإلى أسفل ليست تتحرك عن القسر والضغط. وذلك ما أردنا أن نبين. ووجود الحركات الطبيعية لهذه الأسطقسات أمر بين بنفسه، وانما يستعمل أرسطو أمثال هذه البيانات على (11ظ) [22 ظ] جهة الاستظهار، مع من يمكن أن يعاند ذلك أو يشكك فيه، اما لنقص في فطرته واما لعادة. [9 و: ع] قال: وإذا كان الاقرار بهذه المقدمات واجبا، فالاقرار أيضا بأن العالم واحد بالعددواجب.
الفصل الخامس
Bogga 131