{ في بيان الضرورة وهو أربعة أنواع الأول ما هو في حكم المنطوق مثل قوله تعالى { وورثه أبواه فلأمه الثلث } يدل على أن الباقي للأب } لا بترك التخصيص على نصيبه بل بدلالة صدر الكلام فصار كالمنصوص وأما كون الأب عصبة فلعدم تقرير نصيبه فهو من النوع الثاني لأن مرجع ما ذكر إلى السكوت في موضع الحاجة فإنه لو كان نصيبه مقدرا لما سكت عنه الشارع { وكذا نصيب المضارب } إذا بين تعين الباقي للمضارب قياسا واستحسانا { وكذا نصيب رب المال } أي إذا بين تعيين الباقي للمضارب { استحسانا للشركة في صدر الكلام } وهو عند المضاربة فإنه تنصيص على الشركة في الربح وإنما قال استحسانا لأنه على خلاف القياس فإنالمضارب إنما استحق الربح بالشرط ولم يوجد بخلاف رب المال فإنه يستحق لأن الربح نماء ملكه فيكون له حتى إذا فسدت المضاربة يكون كل الربح للمالك وللمضارب أجر عمله { والثاني ما ثبت بدلالة حال الساكت } في الادثة شارعا كان أو مجتهدا أو صاحب الحادثة عند الحاجة إلى البيان { كسكوت الشارع عن تغيير أمر معاينة يدل على حقيقته } وتفصيله يأتي في السنة التقريرية { وسكوت الصحابة رضي الله عنهم عن تقويم منفعة البدن في ولد المغرور } روى أن عمر رضي الله عنه حكم فيمن اشترى جارية فاستولدها ثم استحقت يرد الجارية على المستحق ويدفع قيمة الولد والعقر وكان يشاور فيه عليا رضي الله عنه واشتهر ذلك بين لصحابة رضي الله عنهم ولم يرده أحد ولم يقض بدفع قيمة المنافع ولو كانت واجبة لما حل الإعراض عنه بعدما رفعت إليه القضية وطلب منه القضاء بما للمولى عليه { وسكوت البكر البالغة جعل بيانا للرضاء } والإجازة { لحالها الموجبة للسكوت } وهي الحياء عن إظهار الرغبة في الرجال وكذا النكول جعل بيانا للإقرار بثبوت الحق عليه لحال في الناكل وهو أنه امتنع عن أداء ما لزمه وهو اليمين مع القدرة عليها فدل ذلك الامتناع على إقرار ثبوت الحق عليه إذ لولا ذلك لأقدم عليها إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه ويرد عليه أن النكول يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة والترفع عن اليمين الصادقة واشتباه الحال فلا ينتصب دليلا على الإقرار ثبوت الحق { والثالث ما يجعل بيانا ضرورة دفع الغرور كالمولى سكت عن منع عبده حين يرى يبيع ويشترى يكون إذنا } خلافا لزفر والشافعي دفعا للغرور عن الناس لأنه ضرر ولا يندفع عنهم إلا بجعل سكوت المولى إذنا ولا ضرورة في جانبيه لأنه قادر على دفع الضرر عن نفسه بمنعه { والشفيع سكت عن طلب الشفعة حين علم بالبيع يكون إسقاطا لها دفعا للغرور عن المشتري } لانه يحتاج إلى التصرف في المشتري فإن لم يجعل السكوت إسقاطا فإما أن يمنع من التصرف أو ينقض عليه تصرفه { والرابع ما ثبت لضرورة الكلام نحو له علي مائة ودرهم ومائة دينار ومائة وقفيز حنطة يكون الآخر بيانا للأول } وعند الشافعي المائة مجملة عليه بيانها كما في مائة وثوب ومائة وشاة { ولنا أن حذف تمييز المعطوف عليه } وتفسير للخفة { متعارف } في العدد إذا عطف عليه عدد مفسر { مثل مائة ودرهم أو بالوزن مثل مائة وقفيز حنطة لمشابهته العدد { بخلاف العبد والثوب } أي بخلاف نحو له على مائة وبعد أو ثوب فإن الثاني لا يكون بيانا للأول لأنه لا يشبه العد حتى يصلح قياسه على مثل له على مائة وثلاثة دراهم { على أنهما لا يثبتان في الذمة } يعني ههنا مانع آخر وهو أن تفسير المائة بالعبد أو الثوب لا يلائم لفظ على لأن موجبه الثبوت في الذمة ومثلهما لا يثبت فيها إلا في السلام للضرورة فلا يرتكب إلا فيما صرح به كالمعطوع فليه مع أنه لا يكثر كثرة العدد حتى يستحق التخفيف { التقسيم الرابع باعتبار الدلالة } أي دلالة النظم والقوم قد حصروا أقسامها في عبارة النص وإشارته ودلالته واقتضائه والمص زاد عليها قسما خامسا وهو موجب الصيغة والنوع الأول من بيان الضرورة لما عرفت أن الثابت به ثابت بدلالة الكلام حتى صار في حكم المنطوق { ووجه الضبط أن الحكم المستفاد من النظم إما أن يكون ثابتا بنفس النظم أولا والأول إن كان النظم مسوقا له فهو العبارة وإلا فالإشارة والثاني إن فهم الحكم منه لغة فالدلالة } الشرط في دلالة النص هو أن يكون مفهوما لغة في الجملة غير موقوف على الاجتهاد لا أن يفهمه كل من يعرف اللغة إذ لا صحة له أصلا فإن كثيرا من دلالة النص يكون مبنيا على علة في معى النظم لا يفهمه كثير من الماهرين في اللغة أن الحم في المنطوق لأجلها كوجوب الكفارة بالأكل والشرب في الصوم والحد في اللواطة وغير ذلك { أو شرعا فإن } توفق الحكم { الثابت بنفس النظم عليه فالاقتضاء فالمقتضي } زيادة تثبت شرطا لصحة المنصوص عليه شرعا { وإلا فالضرورة } ومن قال دلالة اللفظ على الموضوع له أو جزئه أو لازمه المتأخر عبارة أن سيق الكلام له وإشارة إن لم يسق على لازمه المحتاج إليه اقتضاء وعلى الحكم في شيء يوجد فيه معنى يفهم لغة أن الحكم في المنطوق لأجله دلالة فقد أدرج القسم الخامس المذكور في أحد الأولين ولم يتطفن له وأيضا يلزم حينئذ أن يكون موجب الكلام كاليمين الثابت بصيغة النذر والعتق الثابت بشراء القريب من قبيل الإشارة وعلى تقسيم المص يندرج هذا في القسم الأخير { كقوله تعالى { للفقراء المهاجرين } سيق الكلام لا يجاب سهم من الغنيمة لهم وهو ثابت بنفس النظم فهو عبارة فيه والفقير لا يملك شيئا ولا يجب عليهم الزكاة والحج ويحل أخذ الصدقة فهو إشارة في هذه الكلام وذلك بزوال ملكهم عما خلفوا في دار الحرب فهو ثابت اقتضاء } لتوقف الحكم الثابت بنفس النظم إشارة عليه ومن وهم أنه ثابت إشارة فقدوهم { وكذا أثبت اقتضاء أن الكفار يملكون بالاستيلاء بشرط الإحراز } وتوقف الثابت بنفس النظم على الثابت اقتضاء لا يلزم أن يكون بالذات { وكقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن } سيق لا يجاب نفقة الزوجات على الزوج { الذي ولدن له وفيه إشارة إلى أن النسب من ولد له } أي إلى من حكم له الولد { لا إلى الولد حقيقة } وهذه الإشارة التي على وفق قوله عم الولد للفراش وللزاني الحجر مما وفقنا باستخراجه { وإلى اختصاص النسب له وإلى انفراده بالاتفاق على الولد إذ لا يشاركه أحد في هذه النسبة فكذا في حكمها وثبت اقتضاء أن للأب ولاية تملك ماله لأنه نسب إليه بلام الملك } فيقتضى كمال اختصاص الولد واختصاص ماله بأبيه على قدر الإمكان وتملك الولد غير ممكن لكن تملك ماله ممكن فثبت هذا { وذلك موقوف على ثبوت ولاية التملك } فوجد فيها شرط الاقتضاء { وأما أن أجر الرضاع يستغن عن التقدير فثبوته ليس بدلالة الكلام بل بالسكوت حيث أوجب على الأب رزق أمهات الأولاد ولم تعوض التقدير } فهو خارج عن المقسم داخل في أقسام البيان المذكور فيما تقدم فمن قال فإن أراد استئجار الوالدة لرضاع ولدها يكون ثابتا بإشارة النص وإن أراد استئجار غيرها فثبوته بدلالة النص لا بإشارته لعدم ثبوته بالمنطوق لم يصب { وقوله تعالى { وعلى الوارث } إشارة إلى أن الورثة ينفقون بقدر الإرث لأن العلة هي الإرث بناء على أن النسبة أي المشتق توجب علية المأخوذ وقوله تعالى { إطعام عشرة مساكين } فيه إشارة إلى أن الأصل فيه هو الإباحة والتمليك ملحق به } وعند الشافعي لا يجوز إلا بالتمليك كما في الكسوة { لأن الإطعام جعل الغير طاعما } ولا يلزمه التمليك ومعنى جعلة طاعما المباشرة بسببه فعدم كونه مقدورا لا يضر { كلا جعله مالكا وإنما الحق به التمليك دلالة } جواب سؤال تقرير ظاهر { لأن المقصود بالإطعام يحصل به بطريق الأولى } لأن في الإطعام قضاء حاجة الأكل فقط وفي التمليك قضاؤها وقضاء حاجة أخرى { ولا كذلك في الكسوة } أي ليس الأصل في الكسوة الإباحة { لأن الكسوة بالكسر الثوب فوجب أن يصير العين كفارة في الجملة وذا بتمليك العين لا الإعارة إذ هي ترد على المنفعة ولما استشعر أن يقال أن المذكور في كثير من كتب التفسير واللغة أن الكسوة مصدر بمعنى الإلباس لا اسم للثوب تداركه بقوله { وبالإباحة في الطعام فيتم المقصود } أي سلمنا أن الكسوة بالكسر مصدر لكن الإباحة في الطعام وهي أن يؤكل على ملك المبيح يتم بها المقصود { دون إعارة الثوب } وهي أن يلبس على ملك المعير فإنه لا يتم به المقصود إذ للمعير ولاية الاسترداد دون المبيح في الطعام فإنه لا يمكن رده بعد الأكل { وأما دلالة النص وتسمى فحوى الخطاب ومفهوم الموافقة وكقوله ولا تقل لهما أف يدل على حرمة الضرب لأنالمعنى الذي فهم منه لغة أن حرمة التأفيف له } أي لأجله { وهو الأذى موجود في الضرب على وجه أكمل وكالكفارة بالوقاع وجبت عليه } أي على الرجل { عبارة وعليها } أي على المرأة { دلالة } لأن المعنى يفهم منه لغة أن وجوب الكفارة له وهو الجناية على الصوم المشترك بينهما { وكوجوب الكفارة عند نافي الأكل والشرب بدلالة نص ورد في الوقاع لأن المعنى الذي يفهم منه أن وجوب الكفارة في الوقاع له وهو كونه جناية على الصوم وهو الإمساك عن المفطرات موجود فيهما والحاجة إلى الزاجر فيهما أشد لقوة الداعية إليهما وضعف الصبر عنهما وكوجوب الحد عندهما في اللواطة بدلالة نص ورد في الزنا } لأن المعنى الذي يفهم منه { أن وجوب الحد في الزنا هو قضاء الشهوة بسفح الماء في محل محرم مشتهى وهو موجود في اللواطة بل أشد لأنها في الحرمة وسفح الماء فوقه أما في الحرمة فأن حرمة الفعل فيها لا تزول أبدا } وحرمة الفعل فيه تزول بالنكاح والشراء { وأما في السفح فلأنها تضييع للماء على وجه لا يتخلف منه الولد } بخلاف الزنا { وفي الشهوة مثله وأبو حنيفة يقول الزنا أكمل في السفح من اللواطة لأن فيه هلاك نفس لأن ولد الزنا هالك حكما وإفساد الفراش } أي فراش الزوج لأنه يجب فيه اللعان وثبت الفرقة بسببه ويشتبه النسب { والشهوة فيه من الطرفين فيغلب وجوده } رد لما قالا أنها في الشهوة مثله { وما فيها من تضييع الماء قاصر في الحرمة } رد ترجيحها عليه من جهة السفح { لأنه قد يحل بالعزل والترجيح بالحرمة غير نافع } جواب عن تمسكهما برجحان من جهة الحرمة { لأن الحرمة المجردة عن هذه المعاني } أي المعاني المخصوصة بالزنا من هذلاك النفس وإفساد الفراش واشتباه النسب { لا توجب الحد كالبول مثلا } فإنه فوق الخمر في الحرمة لأن حرمته لا تزول وحرمتها تزول بالتحليل مع أنه لا يجب به الحد { وكوجوب القصاص بالمثقل عندهما بدلالة قوله عليه السلام (( لا قود إلا بالسيف )) } يحتمل معنيين أحدهما أن القصاص لا يقام إلا بالسيف والثاني أن لا قود إلا بسبب القتل بالسيف وعلى الثاني يجب القصاص المثقل بطريق الدلالة { لأن المعنى الذي يفهم منه أنه وجوب القصاص به هو الضرب بما لا يطيقه البدن والضرب بالمثقل أبلغ في ذلك وقال أبو حنيفة رحمه الله المعنى جرح ينقض البنية ظاهرا } أي بالجرح وتخريب الجثة { وباطنا } أي بإزهاق الروح وإفساد الطبائع الأربع { فإنه ح } أي عند النقض ظاهرا وباطنا { يقع الجناية قصدا على النفس الحيوانية التي بها لاحياة فيكون أكمل من غيرها وكوجوب الكفارة عند الشافعي في قتل العمد واليمين الغموس بدلالة نص ورد في الخطأ } وهو قوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة { والمعقودة } وهو قوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان فكفارته الآية { لأنه لما أوجب القتل الكفارة مع وجود العذر فأولى أن يوجب بدونه إذا أوجبت الكفارة في المعقودة إذا حنث فأولى أن تجب وهو حنث في الأصل ونحن نقول الكفارة عبادة ليصير ثوابها جبرا لما ارتكب وهذا تؤدي مع الصوم وفيها معنى العقوبة فإنها جزاء يزجر به عن ارتكاب المحضور فيجب أن يكون سببها دائرا بين الخطر والإباحة ليضاف العقوبة } إلى الخطر والعبادة إلى الإباحة فيقع الأثر على وفق المؤثر { كقتل الخطأ } فإنه مباح من جهة الرمي إلى صيد مثلا ومحظور من جهة ترك التثبت وإصابة الإنسان المعصوم { والمعقودة } فإنها مباحة من جهة أنها عقد شروع لفصل الخصومات وفيها تعظيم اسم الله تعالى ومحظور من جهة الحنث { وأما العمد والغموس فكبيرة محضة فلا يلايمها العبادة لأنها تمحوا الصغائر لقوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات دون الكبائر } لقوله عليه السلام الصلواة الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر { والقتل بالمثقل ليس بحرام محض } جواب سؤال مقدر تقريره ظاهر { لما فيه من شبهة الخطأ لأنه ليس بآلة القتل وهي } أي الكفارة { مما يحتاط في إثباته فيجب لشبهة السبب } وهو القتل الخطأ { فإن قيل لم يفرق بين قتل المعصوم بالمثقل وقتل المستأمن بالسيف في عدم القصاص فيهما لمكان الشبهة فلم يفرق بينهما بوجوب الكفارة بالأول دون الثاني قلنا لأن الشبهة إنما يؤثر في إثبات الشيء وإسقاطه إذا تمكنت فيما يقابل ذلك الشيء والقصاص مقابل للفعل من جهة } لأنه شرع زاجرا والزواجر أجزة الأفعال ووجوب القصاص على الجماعة بالواحد يدل على هذا { وللمحل من جهة } لقوله تعالى إن النفس بالنفس وكونه حقا لأولياء المقتول يدل على هذا { فيسقط بالشبهة في الفعل كما في القتل بالمثقل } لأن الشبهة في الآلة الموضوعة لتتميم القدرة الناقصة فيدخل في فعل العبد ويصير الشبهة فيها شبهة في الفعل { وبالشبهة في المحل كما في قتل المستأمن } فإن حرمته لا يماثل دم الذمي في العصمة لأنه حربي ممكن الرجوع إلى دار الحرب فكأنه فيها { والكفارة تقابل الفعل من كل وجه } لأن الزواجر أجزية الأفعال { فتثبت بالشبهة في الفعل } كما في القتل بالمثقل { لا في المحل } كما في قتل المستأمن { والثابت بدلالة النص كالثابت بالعبارة والإشارة إلا عند التعارض } فإنه ح يقدم الثابت بالعبارة والإشارة على الثابت بالدلالة كما يقدم الثابت بالعبارة على الثابت بالإشارة عند التعارض { وهو فوق القياس لأن المعنى } أراد المعنى الذي يفهم أن الحكم في المنطوق لأجله { مدرك في القياس رأيا لا لغة بخلاف الدلالة } وفيه بحث وهو أن القياس قد يكونمنصوص العلة ودلالة النص قد يحتاج فيه إلى الرأي على ما عرفت فيما تقدم فكما لا صحة لقوله مدرك فيالقياس رأيا لا لغة على إطلاقه كذلك لا صحة لقوله بخلاف الدلالة على إطلاقه { فما يندرئ بالشبهات } كالحدود والقصاص { يثبت بها } لا به { وأما الاقتضاء فقد مر مثاله والقوم لغفولهم عن تحققه فيالنصوص الشرعية تمثلوا له بنحو اعتق عبدك عني بألف يقتضي البيع لتوقف صحة العتق عليه } فصار كأنه قال بع عبدك مني وكن وكيلي في الاعتاق عني { فيثبت } أي البيع { بقدر الضرورة } أي يثبت مع أركانه وشرائطه الضرورية التي لا تسقط بحال فلا يشترطالقبول ولا يثبت خيار الرؤية والعيب ويعتبر في الأمر أهلية الاعتاق حتى لو كان صبيا مأذونا لا يثبت منه البيع بهذا الكلام فلا يكون كالملفوظ حتى لا يثبت ما يحتمل السقوط من الأركان والشروط { فقال أبو يوسف } تفريع لما مر أنه لا يثبت ما يحتمل السقوط { لو قال اعتق عبدك عني بغير شيء أنه يصح عن الأمر ويستغني الههبة عن القبض وهو شرط كما يستغني البيع ثمة عن القبول وهو ركن وقالا سقط ما يحتمل السقوط والقبض في الهبة لا يحتمله إنما قال في الهبة لأنه في البيع الفاسد يحتمل السقوط { بخلاف القبول في البيع } لا يقال أن الإيجاب والقبول ركن البيع فلا يوجد إذا سقط واحد منهما لأنا نقول إنما لا يثبت البيع بدونهما إذا ثبت مقصودا أما إذا ثبت ضمنا فيثبت بلا انعقاد ركنه { ولا عموم للمفتضى } أي إن كان تحته أفراد لا يثبت جميع أفراده { لأنه ثابت ضرورة فيتقدر بقدرها فلا يقبل التخصيص في القول الحالف } إنما صور المسألة في قول الحالف لما مر أن المعتبر في الاقتضاء هو التوقف شرعا وذلك لا يوجد في القول المذكور مطلقا { لا أكل } تفريع على ما مر أن المقتضى لا يعم { لأن طعاما ثابت اقتضاء وأيضا لا تخصيص إلا في اللفظ والمصدر الثابت لغة } أي في ضمن الفعل وهو الذي يتوقف على الفعل توقف الكل علىالجزء { إنما هو الدال على الماهية } لا على الأفراد إذ لا دلالة في الفعل على الفرد بل على مجرد الماهية مع مقارنة الزمان فلا يكون عاما { بخلاف قوله لا أكل أكلا فإن أكلا نكرة في سياق النفي فتعم فيجوز تخصيصها بالنية } جواب عن سؤال مقدر تقريره سلمنا أنه لا يصح نية طعام دون طعام لعدم العموم في المقتضى لكن لم لا يجوز أن ينوي أكلا دون أكل على أن يكون العموم في الأكلات فإن دلالة الفعل على المصدر ليست بطريق الاقتضاء بل بحسب اللغة فيععم لكونه نكرة في سياق النفي فيصير كقوله لا آكل أكلا ولما استشعر أن يقال إذا لم يكن المصدر عاما ينبغي أن لا يحنث بكل أكل تدراكه بقوله { وإنما يحنث بكل أكل لأنه مندرج تحت ما هية الأكل } فإن قوله لا آكل معناه لا يوجد مني ماهية الأكل وعدم وجود ماهية الأكل موقوف على انتفاء جميع أفراد الأكل { فدلالة لا آكل على هذا المعنى بطريق الاقتضاء } بخلاف النكرة المنفية فإن فيها وضعا نوعيا فدلالتها بطريق المنطوق { لا لأن اللفظ يدل على جميع الأفراد } أي بطريقالمنطوق { وإنما صح نية في قوله لا أساكن فلانا ونوى في بيت واحد والبيت ثابت اقتضاء لأن المساكن نوعان قاصرة وهي أن تكونا في دار واحدة وكاملة وهي هذه } أي المساكنة في بيت واحد { فنوى والكامل } فنية البيت الواحد ليست من باب تخصيص العام بل من باب تعيين واحد محتملى اللفظ المشترك أو أحد نوعي الجنس وسيأتي تمام هذا الكلام { ولذلك } أي لما ذكرنا أن المقتضى لا عموم له أصلا { قلنا لا يصح نية الثلاث في أنت طالق وطلقتك لأن المصدر الذي ثبت من المتكلم إنشاء أمر شرعي لا لغوي فيكون ثابتا اقتضاء } وتفصيل ذلك أن أنت طالق يدل بحسب اللغة على اتصاف المرأة بالطلاق على ثبوت الطلاق عن الرجل بطريق الإنشاء وإنما ذلك أمر شرعي ثبت ضرورة أن اتصاف المرأة بالطلاق يتوقف شرعا على تطليق الزوج إياها فيثبت اقتضاء فيتقدر بقدر الضرورة والدلالة في طلقتك بحسب اللغة إنما هي على مصدر ماض لا على مصدر حادث فيالحال فكان ينبغي أن يكون لغوا لعدم تحقق الطلاق في الزمان الماضي إلا أن الشرع أثبت لتصحيح هذا الكلام مصدرا أي طلاقا من قبل المتكلم في الحال وجعله إنشاء للتطليق فصارت دلالته على هذا المصدر اقتضاء لا لغة قيل الطلاق الذي يثبت من المتكلم بطريق الإنشاء كيف يثبت اقتضاء والمقتضى في اصطلاحهم اللازم المحتاج إليه وهنا ليس كذلك لأن ثبوت الطلاق بهذا اللفظ فيكون متأخرا فيكون من باب العبارة فيصح نية الثلاث فيه وأجيب عنه بوجهين أحدهما أنه ليس المراد بوضع الشرع هذا اللفظ للإنشاء أن الشرع أسقط اعتبار معنى الأخبار بالكلية ووضعه للإنشاء ابتداء بل الشرع في جميع أوضاعه اعتبر الأوضاع اللغوية حتى اختار للإنشاء ألفاظا تدل على ثبوت معانيها في الحال كألفاظ المستقبل والماضي والألفاظ المخصوصة بالحال فإذا قال أنت طالق وهو في اللغة للإخبار يجب كون المرأة موصوفة به في الحال فيثبت الشرع الإيقاع من جهة التكلم اقتصضاء ليصح هذا الكلام فيثبت الطلاق اقتضاء وهذا معنى وضع الشرع للإنشاء وإذا كان ثبوته اقتضاء لايصح فيه نية الثلاث لعدم العموم للمقتضى ولأن نيتها إنما تصح بطريق الجاز من حيث أ،ها وأحد اعتباري ولا يصح نية المجاز إلا في اللفظ كنية التخصيص وفيه نظر إذ ح لا يكون اللفظ منقولا عن معناه اللفوي بل مستعملا فيه فلا يوجد تصرف من جهة الشرع في اللفظ بل في إثبات معناه اقتضاء وليس هذا من معنى الوضع في شيء وإيضاح لا يصح ح ما اشتهر منهم من تفريع ثبوت الإنشاء على تعذر الأخبار وأيضا موجب ما ذكر أن لا يقع الطلاق في العدة بأنت طالق لأنها موصوفة بالطلاق في الحال فلا ضرورة لإثابت الشرع إيقاعا آخر من جهة المتكلم وإيضا لا يوجد فيه خاصة الإخبار أعني احتمال الصدق والكذب للقطع بتخطئة من يحكم عليه بأحدهما ولو كان قارا في المعنى الإخباري لوجد فيه خاصة وعلى تقدير النقل عنه إلى المعنى الإنشائي يكون ثبوت الطلاق بالعبارة قطعا وثانيهما أن قوله أنت طالق يدل على الطلاق الذي هو صفة المرأة لغة ويدل على التطليق الذي هو صفة الرجل اقتضاء فالذي هو صفة المرأة لا يصح فيه نية الثلاث لأنه غير متعدد بذاته وإنما التعدد في التطليق حقيقة وباعتبار تعدده يتعدد لازمه أي الذي هو ص3فة المرأة فلا يصح فيه نية الثلاث وكذا الذي هو صفة الرجل لما مر أن الثابت اقتضاء لا يصح النية الثلاث وهذا الجواب على تقدير تمامه لا يتمشى في طلقتلك بخلاف الأول وإنما قلنا على تقدير تمامه إذ لا مزيد فيه على ما ذكر أولا أن الطلاق الثابت من قبل الزوج ثابت بطريق الاقتضاء فلا يصح النية الثلاث فيه وهذا لا يدفع السؤال المذكور ولا مدفع له إلا منع كونه إنشاء والقول بأنه إخبار يقتضي سابقية الطلاق من قبل الزوج تصحيحا له فيرجع إلى الجواب الأول فتأمل ثم أنه منقوض بمثل أنت طالق طلاقا وأنت الطلاق فإنه صفة المرأة وقد صحت نية الثلاث اتفاقا ودفعه بأنه لما نوى الثلاث تعين أنه أراد بالطلاق التطليق فيكون طلاقا مصدرا لفعل محذوف تقديره أنت طالق لأني طلقتك تطليقات ثلاثا ومعنىالثاني أنت ذات وقع عليك التطليقات الثلاثلا يخلو عن بعد وتكلف على أن تأويل أنت طالق بأنت ذات وقع عليك التطليق ليس بأبعد من ذلك { دون طلقي نفسك } فإنه يصح نية الثلاث فيه { لأن معناه افعلي فعل الطلاق فثبوت المصدر فيالمستقبل بطريق اللغة فيكون كالملفوظ } فيصح حمله على الأقل وعلى الكلي وإن لم يكن عاما { كسائر أسماء الاجناس } أي إذا كان كالملفوظ وهو ليس باسم عام لكنه اسم جنس وهو اسم فرد لا يدل على العدد بل يدل على الواحد الحقيقي أو الاعتباري كسائر أسماء الأجنسائ إذا كانت ملفوظة لا يدل على العدد بل يدل على الواحد أما حقيقة أو اعتبارا { على ما يأتي } في الفصل الذي يذكر فيه أن الأمر لا يدل على العموم والتكرار { وثبوت البينونة في أنت باين وإن كان أمرا شرعيا أيضا لكن يصح فيه نية الثلاث } جواب سؤال تقريره أنتم قلتم أن المصدر الذي يثبت من المتكل إنشاء أمر شرعي لا لغوي فيكون ثابتا اقتضاء فلا يصح فيه نية الثلاث فكذلك ثبوت البينونة من المتكلم بقوله أنت باين أمر شرعي أيضا فينبغي أن لا يصح نية الثلاث فيه أيضا { لأن البينونة على نوعين فيصح نية أحدهما ولا كذلك الطلاق فإنه لا اختلاف فيه إلا بالعد } تقريره سلمنا أن البينونة ثابتة بطريق الاقتضاء لكن صحة نية الثلاث في أنت باين ليست مبنية علىعموم المقتضى بل هو من قبيل إرادة أحد معنيي المشترك أو أحد نوعي الجنس في باب المقتضى وهو جائز وذلك أن البينونة قد تطلق على الحقيقة وهي القاطعة للحل الثابت للزوج في الحال وعلى الغليظة وهي القاطعة لحل المحلية لا بأن لا يبقى المرأة محلا للنكاح في حقه فإن كان لفك البينوننة موضوعا لكل من المعنيين وضعا على حدة كان مشتركا بينهما لفظا وإلا لكان جنسا لهما { ومما يتصل بذلك } أي بالمتقتضى { المحذوف } حتى يشتبه أحدهما بالآخر ولا يفرق بينهما فيعطى أحدهما حكم الآخر { وهو ما يغير إثباته المنطوق } لما كان المحذوف على نوعين محذوف بغير إثباته المنطوق ومحذوف لا يغير إثباته المنطوق كما في قوله تعالى { فانفجرت } أي ضربه فانفجرت وكان المتصل بالمقتضى الأول دون الثاني فسر المراد بما ذكر ومن لم يتنبه لهذا قال ما قال { بخلاف المقتضى نحو { واسأل القرية } أي أهل القرية فإن إثبات الأهل بغير الكلام } لا ينقل النسبة في القرية إليه لأنه حاصل سواء قدر الأهل أو جعل القرية مجازا عنها { بل بنقل المفعولية من القرية إلى الأهل فهو } أي الأهل لما كان ثابتا لغة كان كالملفوظ فيجري فيه العموم والخصوص ولا يتوهم من المحذوف قسم آخر لأن اللفظ المحذوف دال على المعنى المراد بأحد الأقسام المذكور وأما دلالة اللفظ على لفظ آخر فخارج عن المقسم { وأما الضرورة } أي طريق الثبوت بها { فقد مر بيانها } في فصل بيان الضرورة { منها } مما ثبت ضرورة { صحة صوم من أصبح جنبا لقوله تعالى { فالآن باشروهن } } إلى قوله { كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض } أي الصبح { دل ذلك على جواز المباشرة إلى آخر جزء من الليل ويلزمه ضرورة جواز أن يصبح جنبا } زعم الإمام السرخسي أنه مما يثبت بإشارة النص والإمام البيضاوي أورده في المنهاج مثالا لما يثبت دلالة فقد عرفت ما هو الحق .
فصل :
Bogga 127