{ في بيان التبديل } أي النسخ لما كان الحكم الأول موقتا في علم الشارع دون علمنا كان دليل الثاني بيانا لانتهاء الحكم بالنظر إلى علمه وتبديلا بالنظر إلى علمنا حيث ارتفع به بقاء ما كان الأصل بقاؤه فسمى بيان التبديل { والكلام هنا في تعريفه وجواه ومحله وشرطه والناسخ والمنسوخ وهو أن يرد دليل شرعي متراخيا } اعتبروا هذا القيد للاحتراز عن التخصيص وفيه أن التخصيص في المرة الثانية يجوز أن يكون بمخصص متراخ على ما مر بيانه فينتقض التعريف بهذا النوع من التخصيص { عن دليل شرعي مقتضيا خلاف حكمه } المراد من المخالفة المدافعة والمنافاة لا مجرد المغايرة مفهوما كالصوم والصلاة { وهو جائز في أحكام الشرع } عند عامة أهل الشرايع خلافا لغير العيسوية من اليهود { وواقع خلافا لأبي مسلم الأصفهاني والظاهر أنه يقول لا تبديل في الموقت } بالاتفاق { وفي المطلق لا دلالة على البقاء } حتى يرتفع حكمه برافع نعم لو رفع حكمه قبل العمل به لكان نسخا لكن ثبوت هذا غير مسلم فإن الوارد في انتساخ الزوائد على الصلوات الخمس خبر الواحد { فلا ينافي إنكاره } وقوع النسخ { إسلامه } وإما التوجيه بأن مراده أن الشريعة المتقدمة موقتة إلى وقت ورورد الشريعة المتأخرة إذ ثبت في القرآن أن موسى وعيسى بشرا بشرع محمد عليه السلام وأوجبا الرجوع إليه عند ظهوره وإذا كان الأول موقنا لا يكون الثاني ناسخا فغير موجه لأنه إن أريد التوقيت بالنظر إلى الشارع فلا يجدي نفعا في نفي النسخ لأن التوقيت المذكور لا ينافيه وإن أريد التوقيت بالنظر إلى المكلف فدعواها في كل شريعة متقدمة مكابرة صريحة والتعليل الذي ذكر قاصر إذ لا بشارة في التورية بشرع عيسى عليه السلام وقد نسخ به بعض أحكام التوراة على ما نطق به القرآن { ونحن نقول موجب الدليل الأول ثبوت حكمه في الآتي أيضا لأن المطلق موجبه العمل في الحال والمستقبل } سواء كان ذلك لدلالة الأمر على التكرار ولوجود السبب على اختلاف الأصلين { وبورود الدليل الثاني بطل ذلك } الموجب ولا نعني بالتبديل إلا هذا { ومن اليهود من أنكر نسخ شريعة موسى عليه السلام نقلا } فهم يفارقون جمهور اليهود في أنهم لا ينكرون الجواز ويخصون الانكار بشريعة موسى عليه السلام بخلاف الجمهور { وادعى أن موسى عليه اسلام قال إن شريعتي لا ينتسخ وأنه نقل عنه ذلك تواترا وأما تمسكهم بتمسكوا بالسبت } أي العبادة فيه والقيام بأمرها { ما دامت السموات والأرض زاعمين أنه كتوب في التوراة فليس فيما ذكر } لعدم دلالته عليه { بل في الطعن في رسالة نبينا عليه السلام } قالوا من أجل العمل في السبت لا يجوز تصديقه صرح بذلك الإمام السرخسي في أصوله { وأجيب عنهما بمنع التواتر } إذ لم يبق في زم بخت نصر عدد يكون أخباره تواترا { والوثوق على كتابهم } لما وقع فيه من التحريف واختلاف النسخ واتناقض الأحكام { واحتج المنكرون جوازه بأنه يجب كون الشيء مأمورا به ومنهيا عنه } يعني في زمان واحد لأن كون النسخ تبديلا يقتضي تناول موجب النص المنسوخ زمان ورود الناسخ { وهذا تكليف بالمحال وبأنه يلزم البداء والجهل بالعواقب لأنه } أي لأن النسخ { لحكمة } لامتناع العبث على الحكيم { خفيت ثم ظهرت وهذا رجوع عن المصلحة الأولى بالاطلاع علىالثانية } فيلزم المحذوران المذكوران { وأجيب عن الأول بمنع اللزوم إن اعتبرو وحدة الزمان } لما عرفت أنه بيان لانتهاء الحكم الأول نظرا إلى الأمر { ومنع بطلان اللازم إن لم يعتبر } فتدبر { ولا متمسك لهم في بيان الملازمة } المذكورة { بذبح إبراهيم عليه السلام } جواب عن سؤال تقديره أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ولده ثم انتسخ ذلك بالنهي عنه مع قيام الأمر به حتى وجب ذبح الشاة فداء عنه والفداء اسم لما يقوم مقام الشيء في قبول ما يتوجه إليه من المكروه ولو كان الأمر بالذبح مرتفا لم يحتج إلى قيام شيء مقامه { لأن حكم الذبح لم ينتسخ } يعني لا ثم أنه انتسخ الحكم الذي كان ثابتا بالأمر { وكيف يقال به وقد سماه الله تعالى محققا رؤياه } بقوله { وناديناه أن يا إبراهيم قد صدق الرؤيا } أي حققت ما أمرت به { ولو انتسخ حكم الذبح لما كان محققا ما أمر بل الشاة كانت فداء } كما نص عليه في قوله تعالى { وفديناه بذبح عظيم } { على معنى أنه تقدم على ولده في قبول حكم الوجوب بعد أن كان الإيجاب } بالأمر { مضافا إلى الوالد } حقيقة كمن يرمي سهما إلى غيره فيفديه آخر بنفسه بأن يتقدم عليه حتى ينفذ فيه بعد أن يكون خروج السهم في الرامي إلى المحل الذي قصده { وإذا كان فداء تحقق الامتثال } أي كان إبراهيم عليه السلام متمثلا للحكم الثابت بالأمر { فلا يستقيم القول بالنسخ فيه } إذ تبين انعدامه بانعدام ركنه فإنه بيان مدة بقاء الواجب وحين وجبت الشاة فداء كان الواجب قائما والولد حرام الذبح وأما الجواب يعني عن الوجه الأول { بأن البقاء بالاستصاحب لعدم دلالة الأمر عليه } بناء على أن الأمر للوجوب لا للبقاء فلا يلزم كون الشيء مأمورا به ومنهيا عنه في حالة واحدة { فليس بصواب لا لأنه يلزم ح } أي على تقدير عدم دلالة الأمر على البقاء { أن لا يكون نص ورد فيه أمر } أي نص { كان في زمن النبي عليه السلام } إنما قيد به لأن الشرايع صارت مؤبدة قطعا بوفاة النبي عليه السلام على تقريرها وكفى ذلك في جزمنا ببقاء الأحكام فلا فساد في اللازم المذكور بعد زمانه عليه السلام { حجة إلا وقت نزوله } لا لأن النص يدل على شرعية وجوبه قطعا إلى زمان نزول الناسخ لأنه تسليم لعدم صحة الجواب على الوجه المذكور لا تصحيح له بدفع ما أورد عليه { لأن استصحاب حجة في زمن النبي عليه السلام بناء على أنه لو نزل مغير لبينه فلما لم يبينه علم أنه لم ينزل } فمثل هذا الاستصحاب يكون حجة والخلاف بينه وبين الشافعي إنما هو في حجيته في غير زمن النبي عليه السلام { بل لأن ما ذكر } من عدم الدلالة على البقاء { إنما هو في الأمر المطلق } فلا يتمشى الجواب المبني عليه في غيره من النهي والأمر المقيد بما يدل على التكرار والدوام { فلا ينقطع به عرق الشبهة العامة لغيره } أي لغير الأمر المطلق { وأما الإلزام لمن أنكر وقوع النسخ مطلقا } سواء أنكر جوازه أيضا أو لم ينكر وإنما قال مطلقا لأن ما ذكر لا يصلح إلزاما لمن أنكر نسخ شريعته موسى عليه السام خاصة { بأن حل الأخوات في شريعة آدم عليه السلام وحل الجزء أي حوا عليها السلام له لم ينكره أحد ثم نسخ في غيرها } أي في غير شريعة آدم عليه السلام { غير تام لأن مبناه على أن يكون الإباحة الأصلية بالشرع والخصم فيه وراء المنع } أي له أن يمنع المبتنى إلى أن يثبت وأبى ذلك { وأما محله } أي محل النسخ { فحكم شرعي } احترز به عن الأحكام العقلية والحسية والأخبار عن الأمور الماضية أو الواقعة في الحال أو الاستقبال مما يؤدي نسخه إلى كذب وجهل { عرفي } احترز به عن الأحكام التي يتعلق بالعقائد وهو أصول للشرايع لا يتبدل بتبدلها { غير مؤبد } احترز به عن المؤد عبارة كان مثل قوله تعالى وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ، وقوله عليه السلام : والجهاد ماض إلى يوم القيامة أو دلالة كالشارئع التي قبض النبي عليه اسلام على تقديرها فإنها مؤبدة بدلالة أنه عليه السام خاتم الأنبياء عليهم السلام { ولا مؤقت } لأن النسخ قبل تمام الوقت بداء وإنما لم يقل لم يلحقه تأبيد ولا توقيت لأنه قد يلحقه قيدا للمحكوم به واجبا كان أو غيره مثل صوموا أبدا والجمهور على أنه يجوز نسخه والمراد بالتأبيد دوام الحكم ما دامت دار التكليف { وأما شرطه في الأمر فالتمكن من الاعتقاد دون الفعل عندنا وعند المعتزلة لا بد من التمكن من الفعل أيضا } وأما الفعل فغير لازم بالاتفاق { لأن المقصود منه الفعل فقيل التمكن منه يكون بداء ولنا أنه عليه السلام أمر ليلة المعراج بخمسين صلاة ثم نسخ الزائد على الخمس قبل التمكن من العمل } وأم التمكن من الاعتقاد فقد وجد في حقه عليه السلام وإن لم يوجد في حق أمته ولما فرغ عن إبطال مدعى المخالف شرع في إبطال دليله فقال { والمقصود من التكليف } بالأوامر النواهي { الاعتقاد والعمل والأول هو الركن الذي لا يحتمله السقوط لأنه قربة مقصودة والآخر زيادة يسقط بعذر كالإقرار في الإيمان وأما ذبح إبراهيم عليه السلام فليس من هذا القبيل } أي من قبيل النسخ قبل التمكن من الفعل { بلا خلاف } للقطع بابه يمكن من الذبح وإن ما لم يقع لما منع من الخارج { إنما الخلاف في أنه نسخ أم لا والحق أنه ليس بنسخ } على ما تقدم لا يقال قيام الحلف مقام الأصل يستلزم حرمة الأصل وتحريم الشيء بعد وجوبه نسخ لا لما قيل لا ثم كونه نسخا وإنما يلزم ذلك لو كان حكما شرعيا وهو ممنوع فإن حرمة ذبح الولد ثابتة في الأصل فزالت بالوجوب ثم عادت بقيام الشاة مقام الولد فلا يكون حكما شرعيا حتى يكون ثبوتها نسخا للوجوب لأنه مردود بأن زوال الحرمة بالوجوب نسخ لها والمنسوخ لا يعود إلا بالدليل الشرعي وبذلك الدليل يثبت حكم الحرمة بعد ما زالت بالوجوب فعلى ما ذكر يلزم أن يكون الوجوب منسوخا بالحرمة بعد ما صار ناسخا لها بل لأن ذبح الولد لم يجب أصلا وواجب الذبح لم يزل وجوبه ثابتا على ما تقدم بيانه { وأما الناسخ فهو أما الكتاب أو السنة وكذا المنسوخ لأن القياس لا يكون ناسخا ولا منسوخا على ما يأتي وكذا الإجماع } إلا أنه قد ثبت به النسخ كنسخ نكاح المتعة فإنه ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم { إذ الإجماع في حياة النبي عليه السلام } لأنه منفرد ببيان الشرع { ولا نسخ بعده فالنسخ أربعة أقسا نسخ الكتاب بالكتاب أو السنة بالسنة والكتاب بالسنة وبالعكس خلافا للشافعي في الأخيرين لقوله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } دليل على عدم نسخ الكتاب بالسنة { والسنة دونه } أي دون الكتاب { وقوله تعالى { قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي } ولقوله عليه السلام يكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روى لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى } فإن وافقه فاقبلوه وإن خالفه فرده ولأنه أن نسخ الكتاب بالسنة بقوله الظاعن خالف ما يزعم أنه كلام ربه { وإن نسخ السنة } بالكتاب يقول كذبه ربه فلا يصدق فيجب سد هذا الباب { وأجيب } عن الأول { بأن المراد بنسخ النظم والتلاوة } لأن الآية اسم النظم { لا الحكم ولو سلم فالخيرية فيما يرجع إلى مصالح العباد } وكيف ولم يقل أحد أن الآية الناسخة خير في نفسها من المنسوخة وعن الثاني بما ذكره بقوله { وليس ذلك } أي نسخ الكتاب بالسنة { من تلقاء نفسه لقوله تعالى { إن هو إلا وحي يوحى } } وعن الثالث بقوله بما ذكره { وأمر العرض فيما يشك في صحة إسناده } يعني إلى النبي عليه السلام { أو تقول الرد إذا أشكل تاريخه } فالمعنى وما خالف ولم يقبل التوفيق فردوه إذا جهل التاريخ بينهما { وما ذكر من الطعن ينتظم الاتفاق } يعني أنه وارد في نسخ الكتاب بالكتاب والسنة بالسنة { أيضا فإن المصدق يتيقن أن الكل من عند الله تعالى والمكذب يطعن في الكل ولا اعتبار بالطعن الباطل وفيما ذكرنا } من أن الكتاب نسخ بالسنة { إعلاء منزلة الرسول عليه السلام وتعظيم سنته ولنا في نسخ الكتاب بالسنة قول عائشة رضي الله عنها ما قبض رسول الله عليه السلام حتى أباح الله تعالى من النساء ما شاء } فيكون السنة ناسخة بقوله تعالى لا يحل لك النساء من بعد { وفيه نظل لاحتمال أن يكون ذلك بما نسخ تلاوته من الكتاب وأما ما قيل أن الكتاب } لا نسخ بخبر الراوي فوهم منشؤه سوء الفهم لأن مبنى ما ذكر ثبوت نسخ الكتاب { بالسنة بخبر الراوي لأنه عليه السلام بعث مبينا } فجاز له بيان مدة الوحي المتلو ببوحي غير متلو وبالعكس { وفي العكس } أي حجتنا في نسخ السنة بالكتاب { أنه عليه السلام بعد ما قدم المدينة كان يصلي إلى بيت المقدس وهذا كان بالسنة ثم نسخ بقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام } ويرد على هذا أيضا ما ورد على الأول { واحتج بعض أصحابنا على نسخ الكتاب بالسنة بانتساخ آية الوصية } وهو قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف } { بقوله عليه السلام لا وصية لوارث وبعضهم بانتساخ قوله تعالى فأمسكوهن الآية } تمامه والآتي يأتين الفاحشة من نشسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفيهم الموت أو يجعل الله لهن سبيلا { بقوله عليه السلام الثيب بالثيب جلد مائة وردم بالحجارة ورد الأول بأن انتساخ آية الوصية بآية المواريث إذ في الأول فوض إلينا ثم تولى بنفسه بيان حق كل منهم وإلى هذا } أي إلى أن الإيصاء الذي فوض إلى العباد وقد تولاه بنفسه { أشار بقوله { يوصيكم الله } وفي قوله عليه السلام (( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث )) أشار إبان ارتفاعها } أي ارتفاع الوصية { إنما هو بشرعية الميراث } وأجيب عنه بإثبات الثابت بآية المواريث وجوب حق بطريق الإرث وهو لا ينافي ثبوت حق آخر بطريق آخر فلا رافع للوصية إلا السنة وأما الجواب بأن المنتفى بالآية المذكورة إنما هو وجوب الوصية والجواز { والثاني بأن عمر رضي الله عنه قال إن الرجم كان مما يتلى في كتاب الله تعالى } فلاآية المذكورة لم تنسخ بالحديث المذكور بل إنما نسخ تلاوته وبقي حكمه من الكتاب وهو قوله تعالى ( الشيخ والشيخة إذا زنتا فارجموهما ) { وأما نسخ الكتاب بالكتاب فأمثلته كثيرة } منها نسخ قوله تعالى { فاصفح الصفح الجميل } بقوله تعالى {فاقتلوا المشركين } { ونسخ السنة بالسنة فثبت بقوله عليه السلام (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور إلا فزوروها )) فقد أذن لمحد في زيارة قبر أمه } مسئلة يجوز أن يكون الناسخ أشق عند الجمهور لأن التخيير بين الصوم والفدية كان هو الواجب أولا ثم نسخ بتعيين الصوم وعند قوم لا يجوز إلا بالمثل وإلا خف لقوله تعالى { نأت بخير منها أو مثلها } قلنا الأشق خير باعتبار الثواب } لقوله عليه السلام (( أجرك بقدر نصبك )) { مسئلة لا ينسخ التواتر بالآحاد وينسخ بالمشهور لأن موجب كونه بيانا أن يجوز بالآحاد وموجب كونه تبديلا أن لا يجوز إلا بالمتواتر فيجوز بما هو متوسط بينهما وهو المشهور وأما المنسوخ فهو إما الحكم والتلاوة معا } هذا التفصيل مخصوص بالكتاب إذ المنسوخ في السنة لا يكون إلا الحكم والمراد بالحكم ههنا ما يتعلق بالمعنى خاصة لا ما يعمه وما يتعلق بالنظم { وما قيل أنهما قد يرفعان بموت العلماء أو بالإنساء } كصحف إبراهيم عليه السلام وبعض القرآن في زمن النبي عليه السلام قال الله تعالى { سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله } { على تقدير صحته ليس من هذا الباب } لما عرفت أن الرفع فيه إنما يكون بدليل شرعي وإنما قال على تقدير صحته لأن الحكم لا يرفع بموت العلماء قيل بل علمه أيضا لا يرفع به لأن قيامه بالروح وهو باق بعد الموت وفيه نظر { وأما الحكم فقط وأما التلاوة فقط ومنعه البعض لأن النص بحكمه والحكم بالنص فلا انفكاك بينهما ولنا فامسكوهن في البيوت نسخ حكمه دون تلاوته وأمثلته كثيرة } كوصية الولدين وسورة الكافرين ونحوهما وأما قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وهي ثلاثة أيام متتابعات فليس من هذا الباب إذ لم يثبت كونهما كلام الله تعالى لعدم بلوغها إلى حد التواتر { ولأن حكمه } أي حكم النص { على قسمين أحدهما يتعلق بمعناه } وهوالأحكام الشرعية الثابتة به { والآخر بنظمه كجواز الصلاة بقرائة وحرمتها للجنب والحائض } إنما لم يذكر الإجاز لأن الكلام في الأحكام الشرعية وهو ليس منها { وأما وصف الحكم } عطف على قوله أما الحكم والتلاوة معا { فقد اختلفوا أن الزيادة على النص نسخ ولا وقالوا أنها إما بزيادة جزء كزيادة ركعة على ركعتين أو شرط كالإيمان في الكفارة وإما برفع مفهوم المخالفة كما قالوا لا تحل للزوج الأول بعد دخول الثاني بعد قوله { لا تحل له حتى تنكح زوجا آخر } } أورد المثال من مفهوم الغاية دون غيرهلأنه حجة بالاتفاق وغيره ليس بحجة عند الحنفية فالمثال من غيره لا ينتظم مع قوله وهي نسخأي الزيادة على النص { عندنا وعند الشافعي لا مطلقا وقيل نسخ في الثالث وقيل نسخ إن غيرت الأصل حتى لو أتى به كما هو قبل الزيادة يجب الإعادة } والاستئناف صرح به في المحصول { كزيادة ركعة في الفجر } أورد ابن الحاجب مثالين هما زيادة عشرين في حد القذف والشاهد واليمين كان في الكتاب التخيير بين شهادة رجلين ورجل وامرأتين فزاد الشافعي أمرا ثالثا وهو الشاهد ويمين المدعي ولا يصلحان مثالا على التفسير المذكور لأن فيها لواتي به كما هو قبل الزيادة لا تجب الإعادة { أو كان قد خير بين فعلين فزيدت ثالث } فإنه يكون نسخا لتحريم ترك الفعلين السابقين وهذه الزيادة مذكورة في الأحكام ومعتمد الأصول { وقيل إن صار الكل شيئا واحدا لزيادة ركعة لا كالوضوء في الطواف } يكون نسخا وإلا فلا { وقال أبو الحسين لا شك أن الزيادة تبدل شيئا فإن كان } أي الشيء المبدل { حكما شرعيا يكون نسخا وإلا } أي وإن لم يكن حكما شرعيا بل أمرا أصليا عدما كان أو وجودا { فلا واختار البعض هذا القول } ذكر في محصول الإمام وأصول ابن الحاجب أن المختار قول أبي الحسين { لنا زيادة الجزء إما بالتخيير في اثنين أو ثلاثة بعدما كان الواجب واحدا أو أحد اثنين فترفع حرمة الترك وإما بإيجاب شيء زائد فترفع أجزاء الأصل } يعني أن زيادة الجزء إنما يكون على ثلاثة وجوه التخيير في اثنين بعدما كان الواجب وأحدا فالزيادة هنا ترفع حرمة ترك ذلك الواجب للواحد والثاني بالتخيير في ثلاثة بعدما كان الواجب أحد اثنين فالزيادة هنا ترفع حرمة ترك أحد هذين الاثنين والثالث الواجب أحد اثنين فالزيادة هنا ترفع حرمة ترك أحد هذين الاثنين والثالث بإيجاب شيء زائد فالزيادة ههنا ترفع أجزاء الأصل { كزيادة الشرط } فإنها ترفع أجزاء الأصل { والكل حكم شرعي مستفاد من النص } أي حرمة ترك أحد اثنين وأجزاء الأصل أحكام شرعية { وأيضا المطلق يجري على إطلاقه } وفيه نظر لأنه إن أريد أن المقيد يستلزم عدم الجواز بدون القيد بحسب دلالة اللفظ فهو قول بمفهوم المخالفة وإن أريد بحسب العدم الأصل فهو لا يكون حكما شرعيا { قالوا حرمة الترك التي يرفعها التخيير ليست بحكم شرعي لأنها } أي لأن حرمة الترك الواجب الواحد { إنما ثبت إذا لم يكن شيء آخر خلفنا عنه } أي عن ذلك الواجب لأنه إذا كان شيء آخر خلفا عنه لا يكون تركه حراما فعلم أن حرمة تركه مبنية على عدم اللف وعدم الخالف عدم أصلي فما يبتنى عليه وهو حرمة ترك ذلك الواجب { لا يكون حكما شرعيا فرفعها لا يكون نسخا فلهذا } تفريع على قوله فرفعها لا يكون نسخا { يثبت التخيير بين غسل الرجل ومسح الخف بخبر الواحد } نص الكتاب أوجب غسل الرجلين على التعيين والتخيير بينه وبين امسخ الخف ثبت بخبر الواحد وإنما صح ذلك لعدم النسخ { وكذا بين التيمم والوضوء بالنبيذ } أوجب النص التيمم على التعيين عند عدم الماء والتخيير بينه وبين الوضوء بالنبيذ وخ ثبت بخبر الواحد { فعلى هذا لا يكون التخيير بين الرجل وامرأتين وبين الشاهد واليمين عند عدم الرجلين ناسخا لقوله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتين قلنا حرمة الترك ثبت بلفظ النص عند عدم الخلف لا به } أي لا بعدم الخلف { فهي } أي حرمة الترك { حكم شرعي ولو كان الأمر كما توهم من كون التوقف على عدم الخلف مستلزما لكون الحكم غير شرعي { لا يكون شيء من الأحكام الإيجابية شرعيا } لأن وجوب كل واجب وحرمة ترك اللازمة له يبتنى على عدم الخلف { وأيضا الاستخلاف ليس بتخيير } يعني أن اللازم فيما قلنا به من الصور المذكورة من قبيل الاستخلاف وهو غير التخيير { إذ في الثاني الواجب أحد الأمرين أو الأمور } لا على التعيين { وفي الأول واحد معين هو الأصل } الذي تعلق به الوجوب أولا { إلا أن الخلف جعل كأنه هو } حتى كأنه لم يرتفع { فلا يكون } أي الاستخلاف { نسخا وإن كان ففي المسح والنبيذ بخبر مشهور } أي تنزلنا عما قلنا وسلمنا أن الاستخلاف نسخ فنقول أنه يثبت في مسألة المسح على الخفين ومسألة الوضوء بالنبيذ بالخبر المشهور ونسخ الكتاب بالخبر المشهور جائز عندنا { وقوله تعالى { فرجل وامرأتان } أي فنصاب الشهادة هذا فيكون الشاهد واليمين ناسخا } وفيه نظر لأن انحصار نصاب الشهادة في النوعين لا ينافي صحة الحكم بالشاهد واليمين إذ هذا ليس من جنس ذلك { فلا يزاد بخبر الواحد } تفريع على الزيادة على النص نسخ { التغريب على الجلد والترتيب والولاء على الوضوء } لم يذكر النية لأن نص الكتاب غير ساكت عنه ولا خلاف في أن الوضوء المأمور به لا صح بدون النية { وهو } أي الوضوء { على الطواف والفاتحة وتعديل الأركان على سبيل الفرضية فإن قيل كيف زيد وجوب الفاتحة والتعديل بخبر الواحد قلنا لأن الزيادة بطريق الوجوب لا ترفع أجزاء الأصل فلا يكون نسخا } بخلاف الزيادرة بطريق الفرضية بمعنى عدم الصحة بدونها فإنها ترفع حكم الكتاب { وإنما لم يزد التغريب على سبيل الوجوب لأن الخبر فيه غريب مع عموم البلوى } ولأنه تحريض على الفساد { والوضوء شرط للصلاة } لا مقصود بالذات { فلا يكون فيه واجب } بمعنى أنه يأثم تاركه لا لأنه لو كان في واجب لا يكون لعينه بل لأجل الصلاة بمعنى أنه لا يجوز الصلاة بدونه غذ لا يلزم من كونه لأجل الصلاة أن يتغير معناه ولا فساد في كونه واجبا لأجلها بمعنى أن يكون المصلي آثما بتركه مع صحة صلاته كما في ترك الفاتحة { بل لأن حق التبع أن يكون دون المتبوع } وذلك بالتفاوت بوجود الواجب في الثاني دون الأول وهذا سر أن أبا حنيفة قال في الصلاة بواجبات ولم يقل به في الوضوء فلله دره ما أدق نظره في أحكام هذه الشريعة الغراء الذي أصله ثابت وفروعه في السماء .
فصل :
Bogga 115