{ في الاستثناء } مشتق من الثني تقول ثنيت الشيء إذا منعه وصرفته عنحاجته واعلم أنه لا شبهة في أن صيغة الاستثناء حقيقة في المتصل ومجاز في المنقطع ولذلك لا يحمل عليه إلا عند تعذر الأول وأما لفظ الاستثناء فحقيقة فيهما بعرف أهل النحو وإن كان مجازا في الثاني بحسب اللغة فلا مانع عن تقسيمه إليهما ولا عن تقديم تعريفه الجامع لهما وهو ما دل على مخالفة بلا غير الصفة ونحوها إلا أن المقصود ههنا لما كان هو الأول إذ لا حظ للثاني عن البيان وإنما بذكر في هذا الفصل استطرادا لم يتعرض لتعريف الاستثناء المشترك بينهما { وصيغته موضوعة لمنع بعض ما تناوله صدر الكلام عن الدخول } بحسب دلالة اللفظ لا بحسب الواقع لأن الاستثناء تصرف لفظي فلا تأثير له إلا بحسب دلالة اللفظ لا بحسب الواقع لأن الاستثناء بصرف لفظي فلا تأثير له إلا في الأول { في حكمه } أي في حكم صدر الكلام قوله تعض ما تناوله لإخراج الاستثناء المستغرق الباطل { بإلا أو نحوها } إنما ذكره بأداة الفصل لأن الشرط واحد من أداته لا بعينه وبه خرج سائر التخصيصات { هذا } إشارة إلى ما ظهر مما تقدم من كون الاستثناء مخصوصا بالصيغة المذكورة { في العرف } يعني عرف أهل النحو { وأما في الشرع فهو على قسمين وضعي وهو ما ذكر وعرفي وهو التعليق ظاهرا } ستقف على وجه هذا القيد إن شاء الله تعالى { لمشيئة الله تعالى } قال في البدائع أنه ليس لاستثناء في الوضع بل تعليق إلا أنهم تعارفوا إطلاق اسم الاستثناء على هذا النوع قال الله تعالى { إذ أقسموا ليصرمنها مصبحن ولا يستثنون } أي لا يقولون إن شاء الله تعالى انتهى ولا يذهب عليك أن المعنى اللغوي للاستثناء جامع لهذين النوعين وبعض مشايخنا قال الاستثناء نوعان استثناء تحصيل وهو النوع الأول لأنه تكلم بالحاصل بعد الثنيا واستثناء تعطيل وهو النوع الثاني لأن الباطل من قسمي الاستثناء المستغرق داخل فيه وليس من النوع الثاني { وهذا } أي القسم العرفي إبطال وإعدام للحكم من الأصل { لما يتعلق باللسان } من الأحكام نحو الطلاق والعتاق وأما النية فعمل القلب فلا تأثير فيها للاستثناء { عند أبي حنيفة ومحمد وتعليق } لكن بشرط لا يوقف عليه فلذلك لا يقع المعلق أصلا { عند ابي يوسف فلو حلف لا يحلف بالطلاق مثلا يحنث بذلك عنده لا عندهما } من هنا ظهر أن حقه أن يذكر في هذا الفصل من حيث أنه استثناء لا من حيث أنه تعليق { وذاك } أي القسم الوضعي { بيان من وجه لأنه يبين أن المراد هو البعض وتغيير من وجه لأنه يغير موجب الصدر إذ لولاه لشمل الكل وكذا النسخ بيان من وجه تغيير من وجه } إلا أنه { بالنظر } إلى المدة على ما مر فيما تقدم { ولا تعرض فيه لمعنى الكلام فمن وهم أنه تغيير محض لمعنى الكلام فقد وهم { ولا تناقض في الاستثناء } دفع لما يتبادر إليه الذهن من أن قولك له على عشرة إلا ثلاثة إثبات للثالثة في ضمن العشرة ونفي لها صريحا { لعدم الشمول } أي لا شمول في المستثنى منه للمستثني بحسب الإرادة { بالفعل } على ما نبه عليه فيما تقدم بقوله إذ لولاه لشمل الكل وكان القوم في دفعة على طرائق قددا فتقرقروا أيادي سبأ وذهبوا بددا { واختلفوا على ثلاثة مذاهب } إذ لا بدمن أحد التقريرات الثلاث لأنه إن أريد في المثال المذكور عشرة وأسند إليه فالتناقض ظاهر وانتفاؤه بأن لا يراد العشرة أو يراد ولا يسند إليه والأخير أول المذاهب وأولاها وعلى الأول إن أريد بها السبعة فهو ثانيها وإن لم ترد بها السبعة وهي مرادة قطعا فيكون مراده بالمركب فهوثالثها { الأول } وهو مذهب الحنفية { أن العشرة في قوله على عشرة إلا ثلاثة أطلقت على معناها } فيتناول السبعة والثلاثة معا ثم أخرج منها ثلاثة حتى بقيت سبعة ثم أسند الحكم إلى العشرة المخرج منها الثلاثة فلم يقع الإسناد إلا إلى السبعة والثاني وهو مذهب الشافعية { أنها أطلقت على السبعة مجازا وقوله إلا ثلاثة قرينة له فهو } أي قوله إلا ثلاثة { كقوله ليس له على ثلاثة فيكون كالتخصيص بالمستقبل } في بيان أن الحكم المذكورة في الصد وارد على السبعة والحكم في البعض الآخر على خلافه ولا فرق بينهما إلا بالاستقلال وعدمه وعلى المذهب الأول هذا الفرق ثابت بينهما مع فرق آخر وهو أن الاستثناء لا يثبت حكما مخالفا لحكم الصدر بعبارته بخلاف التخصيص ومشايخنا قالوا في رده أن العشرة اسم علم للعدد المعين لا يقع على غيره ولا يحتمله إذ لا يجوز أن يسمى السبعة مثلا عشرة بخلاف العام فإن المشتركين إذا خص منه نوع كان الاسم واقعا على الباقي بلا خلل { والثالث } وهو مذهب القاضي أبي بكر { أن قوله عشرة إلا ثلاثة أطلق على السبعة } حتى كأنه وضع لها إسماه مفرد وهو سبعة ومركب وهو عشرة إلا ثلاثة { فكأنه قال على سبعة فهذا يشارك الأول في كونالاستثناء تكلما بالباقي بعد الثنيا } أي الاستثناء فإن الإخراج على الأول ولما كان قبل الحكم كان التكلم في حق الحكم بالباقي بحسب وضعه ومقتضى عبارته إلا أنه يفارق من حيث أن الاستثناء ح يكون في العددي { كالتخصيص بالعلم } كأنه قال له على سبعة { وفي غير العددي كالتخصيص بالوصف كأنه قال جائني غير زيد ولا دلالة لهما على نفي الحكم عما عداهما إلا عند القائلين بمفهوم المخالفة وعلى الأول يكون آكد } في دلالته على أن الحكم في المستثنى مخالف لحكم الصدر { منهما } أي من التخصيص المذورين في نفي الحكم عما عداهما { لأن في ذك رالمجموع أولا ثم إخراج البعض ثم الإسناد إلى الباقي إشارة إلى أن حكم المستثنى خلاف حكم الصدر بخلاف له على سبعة وجاءني في غير زيد } ولقائل أن يقول لا ثم أن الإشارة إلى ما ذكره بل إلى أن حال المستثنى خلاف حال الصدر وذلك كما يكون بالاختلاف في الحكم نفيا أو إثباتا كذلك يكون بالاختلاف فيه وجودا وعدما بأن يتحقق الحكم في أحدهما دون الآخر ويكون الآخر مسكوتا عنه { ويفارقان } أي الأول والثالث { الثاني في أنه ح يكون إثباتا ونفيا بالعبارة } أي يكون المستثنى والمستثنى منه على المذهب الثاني جملتين أحديثما مثبتة والأخرى منفية بطريق العبارة لا بطريق المفهوم ولا بطريق الإشارة { وقال ابن الحاجب في رد الثالث أنه لم يعهد في لغة العرب لفظ مركب من ثلاثة } أي من ثلاثة ألفاظ دل على ذلك الاستقراء { ولا مركب أعرب جزؤه الأول وهو غير مضاف } إنما اعتبر ابن الحاجب هذا القيد كيلا يتجه النقض بمثل أبي عبد الله { وعلى ما ذكر } من المذهب الثالث { يلزم هذا ن المحذوران } وهذا ظاهر { ومن تصدى الجواب عنه بأن المراد } يعني مراد من ذهب إلى أن قوله عشرة إلا ثلاثة أطلق على السبعة فكأنه قال على سبعة { المطابقة } بين القولين المذكورين { في المعنى لا الموافقة في الوضع } فإن الوضع في الأول كلي وفي الثاني جزئي { فلا يلزم ما ذكر } من المحذورين لأن مبناه على أن يكون الوضع في الأول جزئيا { فقد أتى بشيء عجاب إذ لا يخفى أنه لا يفي بالمقصود } وهو بدفع التناقض بطريق ثالث لأن المفردات ح } أي تقدير أن لا يكون للقول الأول وضع جزئي { مستعملة في معانيها إلا فرادية فإن أريد } في المثال المعهود { عشرة واستداليه فالتناقض وإن لم أريد ولم يسند إليه فهو } المذهب { الأول وإن لم يرد بل أريد سبعة فهو } المذهب { الثاني فيبقى } لصاحب المذهب الثالث على التأويل المذكور { مجرد قول بلا معنى } لا يسمن ولا يغني { قيل هذا المذهب هو المشهور من مشايخنا وبعضهم } كالقاضي الإمام أبي زيد الدبوسي وفخر الإسلام اليزدوي وشمس الأئمة السرخسي { ما لو في الاستثناء الغير العددي إلى المذهب الأول بحكم العرف وقذفهم هذا من قولهم } يعني أنهم لم يصرحوا بهذا المذهب لكن فهم مما ذكروا { في كلمة التوحيد أن إثبات الآله بالإشارة } أن مذهبهم { هذا لأنه } أي لأن الاستثناء الغير العددي { على } المذهب { الثالث كالتخصيص بالوصف } فصار كقوله لا إله غير الله موجود { وهم يقولون به } فإن التخصيص بالوصف عند هؤلاء لا يدل على نفي الحكم عما عداه ولا دلالة على وجوده تعالى بطريق الإشارة فعلم أن مذهبهم ليس هذا المذهب { وليس مذهبهم هو } المذهب { الثاني لأن النفي والإثبات عليه } أي على هذا المذهب { بطريق العبارة } لا بالإشارة { فعلم أنه } أي أن مذهبهم في الاستثناء الغير العددي هو المذهب الأول { الحكم العرف } يعني أن العرف شاهد على أن الاستثناء يفيد إثبات حكم مخالف للصدر بطريق الإشارة دون العبارة بقي الكلام في ثبوت هذا العرف وفرقة بين العددي وغيره { وهذا ما يناسب لما قال علماء البيان أن الاستثناء وضع لنفي التشريك والتخصيص يفهم منه ولما قال أهل اللغة أنه إخراج وتكلم بالباقي ومن النفي إثبات وبالعكس فيكون إخراجا من الأفراد وتكلما بالباقي في حق الحكم ونفيا وإثباتا بالإشارة } يعني في القول بأن الاستثناء الغيري العددي يفيد النفي والإثبات بطريق الإشارة توفيق بين الإجماعات الأربعة { وفي العددي ذهبوا إلى } المذهب { الثالث حتى قالوا في إن كان لي الأمانة فكذا إن لم يملك إلا خمسين } لأنه على المذهب الثالث كقوله إن كان لي فوق المائة فلا يشترط وجودها { ولو قال ليس له على عشرة إلا ثلاثة لا يلزمه شيء لأنه كقوله ليس له على سبعة واحتج علي } المذهب { الثاني } بإبطال الآخرين { بأن وجود التكلم مع عدم حكمه في البعض } بناء علىمانع { شائع كالعام المختص } الذي انعدم حكمه في القدر المخصوص { وإما إعدام التكلم الموجود } اللازم على المذهب الأول والثالث { فغير معقول } لم يقل فلا لأن دلالته على عدم الشيوع وهو لا يناسب المقام { وبإجماعهم } أي إجماع أهل اللغة { على أنه من الإثبات نفي بالعكس } وهذا صريح في أن الاستثناء يدل على أن حكم المستثنى مخالف لحكم الصدر فيكون معارضا له لا في حكم المسكوت عنه بالإجماع أطلق هذا الإجماع لأن المراد ههنا الإجماع المعهود وهو إجماع المجتهدين { على أن لا إله إلا الله كلمة التوحيد } فإنه لا يتم إلا بإثبات الألوهية له تعلى ونفيها هما سواه { وأما ما قيل } في رد المذهب المذكور { لو كان المراد البعض يلزم في اشتريت الجارية إلا نصفها استثناء نصفها من نصفها وهو ليس بمراد قطعا مع أنه يلزم ح التسلسل } تقريره أن استثناء النصف من الجارية يقتضي أن يراد بها النصف وإخراج النصف من النصف يقتضي أن يراد بها الربع وإخراج النصف من الربع يقتضي أن يراد بها لاثمن هكذا إلى غير النهاية { فمردود بأن ما ذكر } من لزوم { استثناء نصف الجارية من نصفها إنما يلزم أن لو كان النصف مستثنى { من المراد وليس كذلك بل هو مستثنى } من المتناول } أي ما تناوله اللفظ { وهو الجارية بتمامها } على ما سبق أن الاستثناء عبارة عن منع بعض ما تناوله صدر الكلام عن الدخول في حكمه وما يلزم ح من جواز استثناء بعض الإفراد الحقيقي عن اللفظ المستعمل في معناه المجازي متصلا غير محذور عند أصحاب المذهب المذكور والقبح في جعلوا الأصابع في آذانهم إلا أصولها بأن يراد بالأصابع الأنامل ويخرج منها الأصول على أنه استثناء متصل من جهة أن قوله في آذانهم لما دل على أن المراد بالأصابع هو الأنامل صار قوله إلا أصولها لغوا ومحل النزاع خلو عن تلك الجهة إذ لا قرينة فيه للمعنى المجاز يسوى الاستثناء وأجيب عن الوجوه المذكورة في إثبات المذهب الثاني { بأنه لا إعدام للتكلم أما على الأخير فلأن القول بأن عشرة إلا ثلاثة اسم للسبعة تقرير له } أي تقرير للتكلم بإثبات أثره { وأما على الأول فلأن الإطلاق والإخراج أثر الوجود والتكلم بالباقي إنما هو نظرا إلى الحكم فلا ينافيه } أي فلا ينافي وجود التكلم بالكل هذا هو الجواب عن الوجه الأول بمنع دلالته على نفي المذهبين الأخيرين أما الجواب عنه بأن العشرة لفظ خاص للعدد المعين لا عام كالمسلمين فلا يجوز إرادة البعض بالاستثناء كما لا يجوز بالتخصيص فليس بصواب لأن المجار باعتبار إطلاق اسم الكل على البعض شايع حتى في الأعلام فإن زيدا مثلا يطلق ويراد به بعض أعضائه وأن قولهم هو من الإثبات نفي وبالعكس مجاز جواب عن الوجه الثاني وتقريره نعم أنهم أنفقوا على هذا القول لكن لا نم أنه على حقيقة بل هو مجاز { والمراد أنه لم يحكم عليه } أي على المستثنى { بتحكم الصدر لا أنه حكم عليه بنقيضه } أي ينقبض حكم الصدر والثاني أخص من الأول فوجه المجاز ذكر الخاص وإرادة العام { إذ لا صحة له في بعض الصور كقوله تعالى وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ فإنه كقوله وما كان له أن يقتل مؤمنا عمدا لا أن يقتل مؤمنا عمدا لا أنه كان له أن يقتل خطأ لأنه يوجب إذن الشرع به } ولم يقل به أحد { واحتمال الانقطاع منقطع } أي لا وجه لأن يكون قوله إلا خطأ استثناء منقطعا كما قاله الشافعية دفعا للمحذور المذكور عن مذهبهم { لأنه } أي لأن قوله الأخطاء { مفعول له أو حال أو صفة مصدر محذوف فيكون مفرعا } والاستثناء { المفرغ متصل } لأنه معرب على حسب العوامل فيكون من تمام الكلام ويفتقر إلى تقدير مستثنى منه عام مناسب له في جنسه ووصفه { وأما الاحتجاج على إبطاله } أي على إبطال كون الاستثناء من النفي إثباتا وبالعكس { بأن قوله عليه السلام لا صلاة غلا بطهور كقوله لا صلاة بغير طهور ولو كان نفيا وإثباتا يلزم صلاة بطهور ثابتة فيصح كل صلاة بطهور لعموم النكرة الموصوفة وهذا باطل } لأن بعض الصلاة بطهور باطلة كالصلاة إلى غير جهة الكعبة ونحوها { ولأن الاستثناء متعلق بكل فرد } تقريره أن قوله لا صلاة سلب كلي بمعنى لا شيء من الصلاة بجائزة والسلب الكلي عند ودود الموضوع في قوة الإيجاب الكلي المعدول المحمول فيكون المعنى كل واحد من أفرد الصلاة غير جائزة إلا في حال اقترانها بالطهور فيجب أن يتعلق الاستثناء بكل صلاة إذ لو تعلق بالبعض لزم جواز البعض الآخر بلا جهور ضرورة أنه لم يشترط الطهور إلا في بعض الصلاة وهو بط وإذا تعلق الاستثناء بكل فرد والاستثناء من النفي إثبات لزم تعلق إثبات مانع عن الصدر بكل فرد من أفراد الصلاة فيكون المعنى كل واحد من أفراد الصلاة جائزة حال اقترانها بالطهورة وهوبط لما مر { فليس بشيء للقطع بأن مثل قولنا أكرمت رجلا عالما لا يدل على إكرام كل عالم وكون الوصف علة تامة للحكم بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر غير مسلم في شيء من الصور فضلا عن جميع الصور والقول بعموم النكرة الموصوفة مما قدح فيه كثير من العلماء الحنفية فضلا عن القائلين بأن الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس { ولا نزاع لأحد في أن من حلف لا كر من رجلا عالما يبر بإكرام عالم واحد } على أن القائلين بعموم النكرة لا يشترطون في العموم الاستغراق { وأما ما ذكره ثانيا فمنشؤه عدم الفرق بين وقوع النكرة في سياق النفي ووقعها في سياق الإثبات وذلك أن الموضوع في صدر الكلام نكرة دالة على فرد ما وإنما جاء عمومها من ضرورة وقوعها في سياق النفي ففي جانب الإثبات أيضا يؤخذ ذلك الموضوع ولا يعم لكونه في الإثبات فيكون المعنى لا صلاة جائزة إلا في حال الاقتران بالطهور فإن فيها ينتفي هذا الحكم وثبت نقيضه وهو جواز شيء من الصلوات إذ نقيض السلب الكلي إيجاب جزئي { وحصول الإيمان بكلمة التوحيد من المشرك والدهري المنكر للصانع بحسب عرف الشرع } جواب عن الوجه الثالث وتقريره واضح وأما الجواب عنه بأن معظم الكفار كان مشركين غير منكرين لوجود الإله فسيق الكلام لنفي الغير ثم يلزم منه وجوده تعالى إشارة على المذهب الأول لأنه لما ذكر الإله ثم أخرج الله تعالى ثم حكم على الباقي بالنفي يكون ذلك إشارة إلى أن حكم المستثنى خلاف حكم الصدر وإلا لما أخرج منه وضرورة على المذهب الأخير لأن وجود الإله لما كان ثابتا في عقولهم يلزم من نفي غيره وجوده ضرورة فغير تام لعدم تمشية في حق الدهري المنكر لوجود الصانع ثم أن قوله وإلا لما أخرج في معرض المنع معرض المنع على ما تقدم بيانه وأيضا حق الإشارة أن تنقلب عبارة إذا سيق الكلام لما ثبت بها إذا الفرق بينهما ليس إلا من تلك الجهة وهو غير متحقق ههنا فإنا إذا قلنا لا إله إلا الله قاصدين التوحيد لا يثبت توحيده تعالى بطريق العبارة على المذهب الأول فتأمل { مسألة شرط الاستثناء أن يكون } المستثنى منه { بحيث يدخل فيه المستثنى قصدا } وحقيقة { على تقدير السكوت عنه } أي الاستثناء { لا بتعا } وحكما { فلهذا قال أبو يوسف لو وكل بالخصومة واستثنى الإفراد لا يجوز لأنه إنما يجوز له الإقرار لأنه قائم مقامه فيثبت بالوكالة ضمنا { لا لأنه } أي الأفراد { من الخصومة } حتى يصح إخراجه { فلا يصح استثناؤه } ولا ،إبطاله بطريق المعارضة { لكن له أن ينقض الوكالة وقال محمد يصح لأن المراد بالخصومة الجواب مجاز } لأن الخصومة حقيقة مهجورة شرعا { فدخل فيها الإقرار والإنكار قصدا فيصح } أي فعلى هذا الوجه { الاستثناء موصولا } لا مفصولا لأنه بيان تغيير { ولأنه بيان تقرير نظرا إلى الحقيقة اللغوية لأن الإقرار مسالمة لا خصومة فيصح } أي فعلى هذا الوجه يصح الاستثناء مفصولا أيضا { ولو استثنى الإنكار } عن الوكالة بالخصومة { قيل لا يصح بالاتفاق } لما فيه من تعطيل اللفظ عن حقيقته أعني المنازعة والانكار ومجازه أعني مطلق الجواب { والأصح أنه على الخلاف أيضا بناء على الوجه الأول لمحمد } وهو أنه مجاز عن الجواب شامل للإقرار والإنكار فيتجوز استثناء أيتهما كان ولا يلزم التعطيل لأنه قصد المجاز واستثنى بعض الأفراد { ولا يتأتى ذلك على الوجه الثاني } لأن الاستثناء أيضا لكن لا للدليل الذي ذكره في استثناء الإقرار إذ الإنكار يثبت بالخصومة قصد الاضمن بل لأن الوكالة بالخصومة وكالة بالإنكار لما ذكر أن الإقرار ليس من الخصومة فلا يصح استثناء الانكار منها لأنه بمنزلة استثناء الشيء من نفسه وثبوت الإقرار ضمنا لا يجدي لما مر أن شرط الاستثناء هو أن يكون المستثنى مما أوجه الصيغة قصدا { مسألة الاستثناء متصل } إن كان المستثنى بعض المستثنى منه { ومنقطع } إن لم يكن بعضه وقد عرفت فيما تقدم أن المعنى العرفي للإستثناء مشترك بينهما فيصح انقسامه إليهما { وصيغته مجاز في الثاني } على ما مر بيانه { قال اصحابنا ان الاستثناء في قوله تعالى إلا الذين تابوا منقطع } لا لما ذكره فخر الاسلام أن صدر الكلام الفاسقون والتائبون ليسوا منهم لأن الفاسقون ليس مستثنى منه بل حكمه أنما المستثنى منه قوله اولئك أي الذين يرمون والرماة التائبون منهم قطعا كزيد في قولك القوم منطلقون إلا زيدا فإنه خارج المنطلقين داخل في القوم لا يقال لا يهمه كون الفاسقون صدر الكلام ولا تعرض له في تعليله والتقريب يتم بعدم كون التائب من الفاسقين حقيقة لأن من شرط الاتصال في الاستثناء يتناول الحكم للمستثنى على تقدير السكوت عن الاستثناء لأن نقول الشرط على ما عرفت فيما تقدم إنما هو التناول بحسب دلالة اللفظ لا بحسب الواقع بل لما ذكره ابو زيد الدبوسي في التقويم وهو المذكور بقوله { لأن المتصل هو إخراج المستثنى عن حكم المستثنى منه بالمعنى المذكور } وهو المنع عن الدخول المذكور في بيان ما وضع له صيغة الاستثناء { وهنا ليس كذلك لأن حكم الصدر إن من قذف فهو فاسق والنائب لا يخرج من هذا الحكم } لأن الفاسق من قام به الفسق في الجملة ماضيا كان أو حالا { إلا أنه لا يبقى فاسقا بعد التوبة وهذا حكم آخر } أعلم أن انقطاع الاستثناء يتحقق بأمرين أحدهما أن لا يدخل المستثنى في صدر الكلام والآخر أن يكون داخلا فيه ولكن لا يخرج عن حكمه وحكم الصدر فيما نحن فيه أن من قذف صار فاسقا والاستثناء المذكور لا يخرج التائبين عن هذا الحكم بل معناه أن من تاب لا يبقى فاسقا وهذا حكم آخر فلاستثناء المنقطع هو أن يذكر شيء بعد إلا ونحوها غير ممنوع عن الدخول في حكم الصدر سواء تناولهالصدرإو لا ونظائره في القرآن كثيرة منها قوله تعالى وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف فإن ما قد سلف أي الجمع بينهما الذي قد سلف قبل نزول آية التحريم داخل في الجمع بينهما لكنه غير ممنوع عن حكم الصدر لأنه غير قابل لأن يدخل فيه بناء على الن النهي إنما يكون عن المحتمل وما لا يمكن دخوله فيه كيف يمنع عنه بل أثبت فيه حكم آخر وهو أنه غير مؤاخذيه { مسألة أن الاستثناء المستغرق } سواء كان المستثنى مثل المستثنى منه أو أكثر نحو عبيدي أحرار إلا مما لكي { باطل بالانفاق } ذكره المحقق في شرخالمختصر { وقال مشايخنا هذا إذا كان بلفظه } أي قالوا إنما لا يصح استثناء الكل إذا كان بلفظ المستثنى منه { نحو نسائي طوالق الانسائي أو بما يساويه نحو نسائي طوالق الاحلائلي أو بأعم منه } وقد مر مثاله { فإن استثنى بلفظ يكون أخص منه في المفهوم يصح وإن كان يساويه في الوجود نحو نسائي طوالق إلا زينب وهند أو بكرة وعمرة } أو إلا هؤلاء ولا نساء له سواهن { حتى لا تطلق واحدة منهن } وذلك لأن الاستثناء على ما مر تصرف في الكلام لا في الحكم فإنما يبطل إذا لم يتوهم وراء المستثنى منه شيء يكون الكلام عبارة عنه { مسألة إذا تعقب الاستثناء الجمل المعطوفة } بعضها على بعض بالواو كآية بالقذف { فالظاهر أن ينصرف إلى الكل عند الشافعي وعندنا إلى الأقرب } إنما قال فالظاهر أن ينصرف ولم يقل ينصرف إذ لا خلاف في جواز انصرافه ،إلى الكل وإلى الأخيرة خاصة وإنما الخلاف في الظاهر عند الإطلاق { لقربه } من الاستثناء { متصلا به ولانقطاعه عما سبقه } من الجمل نظرا إلى حكمها دليل آخر تقريره أنه بسبب الانقطاع يصير بمنزلة حائل بين المستثنى والمستثنى منه كالسكوت فلا يتحقق الاتصال الذي هو شرط الاستثناء { ولأن الضرورة } أطلقها لينتظم الض1رورة التي هي بسبب عدم استقلال الاستثناء والتي هي بسبب توقف صدر الكلام ومن قصرها على أحديهما فقد قصر { تندفع بالانصراف إلى الواحدة } وقد انصرف إلى الأخيرة بالانفاق فلا وجه للتجاوز إلى غيرها ولما استشعر أن يقال الواو للعطف والتشريك فيقيد اشتراك الجمل في الاستثناء تداركه بقوله { ولا شركة في عطف الجمل التامة في الحكم } لما سبق أن القرآن في النظم لا يوجب القرآن في الحكم { ففي الاستثناء أولى } يعني أن العطف لا يفيد شركة الجمل في الحكم مع أن وضع العاطف للتشريك في الأعراب والحكم فلان لا يفيد التشريك في الاستثناء وهو تغيير في الكلام لا حكم له أولى { وصرفه } أيصرف الاستثناء { إلى الكل في الجمل المختلفة كآية القذف } فإن الأولى فيها أمر والثانية نهي والثالثة خبر { في غاية البعد } تنزل بعد إثبات المطلوب على وجه كلي إلى صورة جزئية وقع فيها الجدال وكثير القيل والقال { لأن الأولين } منها { وردتا على سبيل الجزاء بلفظ الطلب والأخيرة مستأنفة بصيغة الأخبار } دفعا لوهم وهو الاستبعاد كون القذف سببا لوجوب العقوبة التي تندرىء بالشبهة هي قائمة هنا لأن القذف خبر يحتمل الصدق وربما يكون حسبة ووجه الدفع أنهم فسقوا بهتك ستر العورة بلا فائدة حيث عجزوا عن الاثبات فلهذا استحقوا العقوبة { لأن العطف بالواو يمنع قصد التعليل كرد الشهادة } بسبب الفسق حتى تقبل بعد التوبة لزوال الفسق لأن العلة لا تعطف على الحكم بالواو ولا يلزم ذلك على تقدير جعلها علة لاستحقاق العقوبة لأنه غير منطوق فلا عطف وفي عبارة الاستيناف إشارة إلى هذا أعلم إنا جعلنا الأولين جزاء لأنهما إخراجا بلفظ الطلب مفوضين إلى الأئمة وجعلنا الثالث مستأنفا لأنه بطريق الأخبار وصرفنا الاستثناء إليه والشافعي لما قيل شهادة المحدود في القذف بعد التوبة وحكم عليه بعدم الفسق ولم يسقط عنه الجلد لزم القول يتعلق الاستثناء بالاخيرتين وقطع الثانية عن الأولى إذ لو كانت عطفا عليها لسقط الحلد أيضا عن التائب على ما هو الأصل عنده من صرف الاستثناء إلى الكل لا يقال إنما لم يجعل الشافعي عدم القبول من تمام الحد لأنه لا يناسب الحد لأنه فعل يلزم على الإمام إقامته ولم يسقط الجلد بالتوبة لأنه حق العبد ولهذا يسقط بعفو المقذوف وصرف الاستثناء إلى الكل عنده ليس بقطعي بل هو ظاهر يعدل عنه عند قيام الدليل وظهور المانع مع أن المستثنى هو الذي تابوا وأصلحوا ومن جملة الإصلاح الاستحلاف وطلب العفو عن المقذوف وعند وقوع ذلك يسقط الجلد أيضا فيصح صرف الاستثناء ،إلى الكل لا أن نقول رد الشهادة إيلام كالضرب بل هو أشد في كونه زاجر للعدل والوجيه الذي تقبل شهادته من الجلد للسفيه فعلم أنه يناسب الحد والمقصود من قوله تعالى ولا تقبلوا وجوب الرد وهو فعل يلزم على الإمام إقامته كالجلد لا مجرد حرمة فعل ثم لما علم أن رد الشهادة يصلتنح تتمة للحدى وهو زاجر كالجلد علم أنه حق العبد ايضا فما دل على ان الجلد لا يسقط بالتوبة دل على أن الرد كذلك فيكون الاستثناء متعلقا بالأخيرة كما نلنا ثم أن الإصلاح طلب العقو ولا يسقط الجلد بطلب العفو بل بالعفو وهو ليس من جملة هذا الاصلاح إذ العفو فعل المقذوف وهذا الإصلاح فعل القاذف فلم يصح الاستثناء إلى الكل { ومن أقسام بيان التغيير الشرط } أما أنه تغيير فغير الصيغة عن أن تصير إيقاعا ويثبت موجبها وإما أنه بيان فلأن الكلام كان يحتمل عدم الإيجاب في الحال بناء على جواز التكلم بالعلة مع تراخي الحكم كبيع بالخيار والشرط ظهر أن هذا المحتمل مراد { والفرق بينه وبين الاستثناء يظهر في قوله بعت منك هذا بألف إلا نصفه أنه يقع البيع على النصف بألف } لأنه تكلم بالباقي فكأنه قال بعت نصف العبد بألف { ولو قال على أن لي نصفه } قد مر أن كلمة على يستعمل في الشرط { يقع على النصف بخمسمائة فكأنه يدخل في البيع لفائدة تقسيم الثمن ثم يخرج ولا يفسد البيع بهذا الشرط } مع أنه شرط لا يقتضيه العقد { لأن هذا بالتحقيق ليس بيعا بالشرط بل { هو بيع شيء من شيئين } أي أحد النصفين من نصفي العبد والحاصل أنه شرط من جهة فأفاد توزيع الثمن وليس بشرط حقيقة فلم يفسد البيع .
فصل :
Bogga 103