وأما تحقيق حقيقة الكفر عند العرفاء الذين يعرفون الأمور بالبصيرة الباطنية لا بالاستدال الكلامي، فهو انه عبارة عن الاحتجاب عن نور الإيمان، لما علمت ان الإيمان الحقيقي نور فائض من الله على القلب، به تنكشف أحوال المبدأ وأسرار المعاد، ولهذا الإيمان قشر وهو إيمان المتكلم، ولقشرة قشر وهو إيمان العوام.
فالكفر الذي يقابله، هو الستر والاحتجاب عن ذلك النور بالكلية، وهو على ضربين: لأن هذا الاحتجاب: إما بأمر وجودي كالظلمة التي تضاد ذلك النور، وهو الجحود للحق والانكار له عدوانا وعنادا، للجهل المركب الراسخ في النفس، أو بأمر عدمي، هو عبارة عن عدم الإيمان، للجهل البسيط المقابل للعلم تقابل العدم للملكة.
وقد وقع الفرق بين القسمين في كلام الله كثيرا، كما في هذه الآية، والآية التي تتلوها، ولهذا قيل: إن المراد ها هنا بقوله: { الذين كفروا } مشركو مكة، وصناديد قريش من الذين غلظت طبائعهم، وغلبت الكثافة والجسمية على نفوسهم، والختم على قلوبهم، فقلوبهم في أكنة ونفوسهم لم تخرج بعد من القوة الى الفعل، لعدم المسع الباطني والبصر الباطني لهم.
ونظيره ما قال تعالى:
وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون
[يس:9] الآية.
وقوله:
فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر
[فصلت:4 - 5].
والمراد بقوله:
Bog aan la aqoon