322

ثم قال سبحانه تهديدا على أهل الزيغ الضلال، المنحرفين عن طريق الحق عتوا وعنادا: { أفأمن الذين مكروا السيئات } واحتلوا لهلاك الأنبياء، سيما معك يا أكمل الرسل، ولم يخافوا { أن يخسف الله } القادر الغالب على الانتقام { بهم الأرض } كما خسفنا على قارون { أو يأتيهم العذاب } بغتة، حال كونهم بائتين في مراقدهم { من حيث } هم { لا يشعرون } [النحل: 45] أماراتها ومقدماتها.

{ أو يأخذهم } العذاب وهم { في تقلبهم } وتحركهم دائرين مترددين { فما هم } حين أخذه { بمعجزين } [النحل: 46] مقاومين قادرين على دفع قهر الله وعذابه.

[16.47-55]

{ أو يأخذهم } العذاب { على تخوف } وتنقص من أموالهم وأولادهم على سبيل التدريج إلى أن يستأصلهم بالمرة { فإن ربكم } أيها المجترئون على الله ورسوله، المسيئون الأدب معهما { لرؤوف } عطوف مشفق، لا يعاجلكم بالعذاب { رحيم } [النحل: 47] يمهلكم ويؤخر انتقامكم رجاء أن تتذكروا وتتعظوا.

{ أ } يصرون ويستمرون أولئك المشركون المسرفون على الشرك والنفاق { ولم يروا } وينظروا نظر العبرة والاستصبار { إلى } انقياد جميع { ما خلق الله } وأوجده وأظهره من كتم العدم إظهارا إبداعيا لحكمه وأمره { من شيء } من الأشياء التي { يتفيؤا } أي: يميل وينقلب { ظلاله } بانقلاب الشمس وحركتها { عن اليمين } مرة { والشمآئل } أخرى، على مقتضى اختلاف أوضاع الشمس، حال كونهم { سجدا } ساجدين متذللين خاضعين، واضعين جباهم على تراب المذلة إطاعة وانقيادا { لله } الواحد الأحد، المستقل في الألوهية والربوبية { وهم } في جميع حالاتهم وتقلباتهم { داخرون } [النحل: 48] ضاغرون ذليلون، خائفون من جلال الله وكبريائه، مستوحشون على سطوة قهره، وصولة استيلائه.

{ و } كيف يستكبرون أولئك المشركون المنكرون عن انقياد الله وإطاعته؛ إذ { لله } لا لغيره من الأظلال الهالكة، والتماثيل الباطلة { يسجد } ويتذلل طوعا وطبعا جميع { ما في السموت و } كذا جميع { ما في الأرض من دآبة } تتحرك تخرج من العدم نحو الوجود بامتدااد أظلال الأوصاف الإلهية، ورش رشحات زلال وجوده عليها { و } خصوصا { الملائكة } المهيمون المستغرقون في مطالعة جمال الله وجلاله { وهم } من غاية قربهم، وتنزههم عن العلائق المبعدة عن الله، وتجردهم عن أوصاف الإمكان مطلقا { لا يستكبرون } [النحل: 49] عن عبادة الله، والتذلل نحوه، فكي أنتم أيها الهلكي الغرقى، المنغمسون في بحر الغفلة والضلال.

وإنما يسجد أولئك الساجدون المتذللون؛ لأنهم { يخافون ربهم } القادر على الإنعام والانتقام أن يرسل عليهم عذابا { من فوقهم } لأنهم مقهورون تحت قبضة قدرته { و } لذلك { يفعلون ما يؤمرون } [النحل: 50] ويجتنبون عما ينهون.

{ و } كيف لا تمنعون عن إثبات الشركاء لله الواحد الأحد الصمد أيها المشركون المعاندون بعدما { قال الله } عز شأنه، وجل بركاته: { لا تتخذوا } أيها المكلفون بالإيمان والعرفان { إلهين اثنين } مستحقين للعبادة والانقياد، فيكف الزيادة { إنما هو إله واحد } يعبد بالحق، يرجع نحوه في الوقائع، ويفوض إليه الأمور كلها، وما هو إلا أنا { فإياي } لا إلى غيري من مخلوقاتي ومصنوعاتي { فارهبون } [النحل: 51] أي: خصوني بالخوف والرجاء، وارجعوا إلي عند هجوم البلاء، ونزول القضاء؛ إذ لا راد لقضائي إلا فضلي وعطائي.

{ و } كيف لا يرجع إليه، ويستغاث منه، مع أن { له } ومنه { ما } ظهر { في السموت } أي: عالم الأسماء والصفات التي هي الفواعل والمفيضات المؤثرات { و } ما ظهر في { الأرض } أي: عالم الطبيعة من الاستعدادات التي هي القوابل المتأثرات من العلويات { وله } لا لغيره من الأسباب والوسائل العادية { الدين } أي: الإطاعة والانقياد، والتوجه والرجوع { واصبا } دائما حتما لازما { أفغير الله } المحيط للكل إحاطة شهود وحضور { تتقون } [النحل: 52] وتحذرون أيها الجاهلون بحق قدره، مع أنه لا ضار سواه، ولا نافع غيره؟!.

{ و } واعلموا ايها المجبولون على التكليف أن { ما بكم من نعمة } واصلة لكم، نافعة لنفوسكم، مسرة لقلوبكم { فمن الله } المصلح لأحوالكم، وصلت إليكم امتنانا عليكم وتفضلا؛ إذ لا نافع إلا هو { ثم إذا مسكم الضر } المشوش لنفوسكم، القاسي لقلوبكم { فإليه تجأرون } [النحل: 53] تتضرعون وتستغيثون ليدفع عنكم أذاكم؛ إذ لا ضار أيضا إلا هو.

Bog aan la aqoon