310

{ و } أي: محنة وعناء حتى يشوشوا بها { وما هم منها بمخرجين } نبئهم أيضا { أن عذابي } وانتقامي وبطشي على من أصر على عنادي، واستمر على ترك طاعتي وانقيادي { هو العذاب الأليم } [الحجر: 50] المؤلم المستمر الذي لا نجاة لأحد فيه.

{ و } إن أنكروا على إنعامي وانتقامي { نبئهم عن ضيف إبراهيم } [الحجر: 51] تبيينا وتوضيحا لهم.

وقت { إذ دخلوا عليه } جرد مرد، صباح ملاح { فقالوا } ترحيبا وتكريما: { سلاما } أي: نسلم عليك سلاما، ثم لما تفرس إبراهيم بنور النبوة أنهم ملائكة جاءوا بأمر خطير { قال } على سبيل المخالفة: { إنا منكم وجلون } [الحجر: 52] أي: خائفون؛ لأنهم جاءوا هفوة، ودخلوا عليه بغتة بلا إذن واستئذان على عادة المسافرين، ولا يظهر عليه أثر السفر.

{ قالوا } آمنا له، وتسكينا لخوفه واضطرابه: { لا توجل } منا { إنا نبشرك } من عند ربك { بغلام عليم } [الحجر: 53] قابل للنبوة والرسالة، والحكمة الكاملة.

{ قال } إبراهيم عليه السلام متأوها آيسا، مستفهما على سبيل الاستبعاد: { أبشرتموني } أيها المبشرون في زمان قد انقطع الرجاء فيه عادة { على أن مسني الكبر فبم تبشرون } [الحجر: 54] المانع من الاستيلاء والاستنماء العادي؛ إذ هو في سن قد انقطعت الشهوة عنه، وعن زوجته أيضا؛ إذ هما في سن الهرم والكهولة.

{ قالوا بشرناك } ملتبسا { بالحق } المطابق للواقع بإذن الحق، وعلى مقتدى قدرته الكاملة بإيجاد شيء بلا سبق السبب العادي له { فلا تكن } أيها النبي المتمكن في مقام الرضا والتسليم، المسند المفوض جميع الحوادث الكائنة في علام الكون والفساد إلى الفاعدل المختار بلا اعتبار الوسائل والأسباب { من القانطين } [الحجر: 55] الجازمين بفقدان الشيء عند فقدان أسبابه العادية.

{ قال } مستبعدا مستوحشا: { ومن يقنط } وييأس { من رحمة ربه } التي وسعت كل شيء على مقتضى جوده تفضلا بلا سبق استحقاق واستعداد أسباب { إلا الضآلون } [الحجر: 56] المقيدون بسلاسل الأسباب الطبيعية، وأغلال الوسائق الهيولانية، ونحن معاشر الأنبياء لا نقول بأمثال هذه الأباطيل الزائغة.

ثم لما جرى بينهم ما جرى { قال } ابراهيم عليه السلام على مقتضى نفوسه منهم: { فما خطبكم } أي: أمركم العظيم الذي جئتم لأجله { أيها المرسلون } [الحجر: 57] المهيبون؟.

{ قالوا إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين } [الحجر: 58] خارجين عن مقتضى العقل والشرع والطبع؛ إذ فعلتهم الفاحشة الشنيعة مما يستقبحه ويستكرهه العقول والطباع مطلقا، فكيف الشرع، فنلهكهم اليوم بالمرة على مقتضى أمر الله وقدره.

[15.59-73]

Bog aan la aqoon