وهكذا .. لم تكن تلمذته للذهبي تلقيًا كحاله مع ابن تيمية والمزي، بل مدارسة ومكاتبة.
* * *
مع نهاية تلمذته للمِزِّي -وهو بعد في الخامسة والعشرين أو أشفّ- تكتمل عنده أدوات العالم الباحث، فيشرع بالتأليف ويتصدَّر للتدريس، ويحقق خلال ثلاثة عشر عامًا ما لا يحققه أناس في أعمار متطاولة، فمؤلَّفاته تزيد على السبعين كتابًا، بلغ بعضها ثمانِ مجلدات، ويتصدر للتدريس في أكبر مدارس عصره كالعمرية والضِّيائية، والمصادر التي بين أيدينا لا تسعفنا في تحديد السنة التي ابتدأ فيها بالتدريس، ولا متى كان تدريسه في كل مدرسة، إلا المدرسة العمرية التي نص ابنُ كثير أنه جلس للتدريس بها في سنة (٧٤١ هـ) ولا ريب أن تدريسه في المدارس الأخرى كان قبل هذا التاريخ، بل ربما جمع في وقت واحد التدريس في غير مدرسة على عادة علماء ذلك العصر.
وفي ذِكْرِ ابن كثير لخبر تدريس ابن عبد الهادي في هذه المدرسة في حوادث سنة (٧٤١ هـ) (١)، مغزى لا يخفى، إذْ يدلنا هذا على أن ابن عبد الهادي بلغ قمة عطائه -وهو بعد في السادسة والثلاثين- يوم تربع للتدريس في هذه المدرسة الكبيرة، وقد حضر درسه المقادسة وكبار الحنابلة، ولولا المطر والوحل يومئذٍ لحضر أهل المدينة (٢)، وهذا يدلنا أيضًا على مدى الشهرة التي أصابها وقتئذٍ، والمطَّلع على تاريخ هذه المدرسة يعرف أن كبار العلماء كان يدرِّس بها، وقد بلغت حدًّا كبيرًا في
_________
(١) "البداية والنهاية": ١٤/ ١٨٩.
(٢) المصدر السابق.
1 / 28