إذن فكأن الآية قصرت الثناء على المهاجرين والأنصار لإشعار من سواهم بالسبب الذي من أجله تاب الله على المهاجرين والأنصار، وأن المهاجرين والأنصار لم يستحقوا التوبة عليهم من الله؛ إلا بأعمال جليلة قدموها في الماضي، وأن على من سواهم أن يكثروا من التأسي بهم، حتى يتوب الله عليهم كما تاب على المهاجرين والأنصار.
والغريب أن بعض الباحثين يخلطون الأمور ويستدلون بالآية السابقة على أن الله تاب على (جميع الصحابة)، ويقصدون بالصحابة (كل من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لقيه من المسلمين)، ثم لعلهم يقولون هذا وقلوبهم على الطلقاء!، مع أن الله عز وجل لو أراد أن يقول ذلك لقاله، ولعمم التوبة على كل المؤمنين يومئذ، ولكنه قصر التوبة على المهاجرين والأنصار وهذا كان لحكمة وليس عبثا أو صدفة!.
ولذلك فمن المرجح أن حكومة الطلقاء (دولة بني أمية) لجأت إلى (تعميم الصحبة) على كل من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى يدخل فيهم طلقاء بني أمية كآل أبي سفيان وغيرهم من بني أمية أو غيرهم مثل الحكم والوليد وبسر وأمثالهم، وكان لهذا التعميم غرض سياسي لمنافسة خصومهم من المهاجرين والأنصار في صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلما صحبه خصومهم، وساعد على هذا التعميم ردة الفعل السنية على غلو الشيعة والخوارج في ذم بعض من وصف بالصحبة من هؤلاء.
نعود ونقول: كان آخر ما أخبرنا الله عز وجل في موضوع الصحابة أنه تاب على المهاجرين والأنصار ولم يخبرنا أنه تاب على غيرهم إلا الثلاثة الذين خلفوا (وهم مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي وكعب بن مالك الأنصاري) وهم من كبار الصحابة، شهد اثنان منهم بدرا وما بعدها وثالثهم كعب بن مالك شهد أحدا وما بعدها.
Bogga 74