فينبغى لنا أن نصرح، عن الذى يحومون [حوله]، ولا يدركونه، أن كل واحد من الاسطقسات له صورة جوهرية بها هو ما هو، ويتبع هذه الصورة الجوهرية كمالات من باب الكيف ومن باب الكم، ومن باب الأين، فيتخصص كل جسم منها ببرد أو حر من جهة تلك الصورة، ويبس ورطوبة من جهة المادة المقترنة بالصورة، وبقدر من الكم طبيعى، وبحركة طبيعية وسكون طبيعى، فتكون تلك الصورة يفيض عنها فى ذات ذلك الجسم قوى، بعضها مما لها بالقياس إلى المنفعل، كالحرارة والبرودة الطبيعيتين؛ وبعضها بالقياس إلى الفاعل للشكل كاليبوسة والرطوبة الطبيعيتين؛ وبعضها بالقياس إلى الأجسام المكتنفة له، كالحركة والسكون الطبيعيين.
وإن الماء إنما يفيض، فى جوهره عنه البرد إذا كان على طبيعته، ولم يعق عائق كماء ينحدر إذا كان على طبيعته ولم يعق، وإنه قد تفوته هذه الكيفية بقاسر فيسخن، كما تفوته تلك الحركة وميلها بقاسر راج إلى فوق محدث فيه ميلا غريبا.
وكما أن الماء إذا سخن فتصعد بالسخونة، أو سخنت الأجزاء الأرضية أيضا فتصعدت بالسخونة، وكانت السخونة محدثة للميل إلى فوق، لذلك إذا انبعثت السخونة عن الطباع أحدثت ذلك الميل عن الطباع. هذا إن سلم أن صعود الماء وصعود أجزاء الأرض إنما هو لتسخنها، لا بمخالطة النارية المصعدة إياها .وسنوضح ذلك فى فن آخر. وإنما أوردنا ما أوردناه من ذلك تمثيلا لا وضعا.
لو كانت البرودة المحسوسة صورة المائية لكانت المائية تفقد صورتها وهى مغلاة، وليس كذلك؛ بل هى عند الغليان ماء بعد. ولو كانت الرطوبة المحسوسة أيضا صورة الماء لكان الجامد قد خرج عن طبيعة الماء وصورته، وصار إما أسطقسا آخر، وإما مركبا. وليس أحدهما.
Bogga 130