وهكذا حال الجبال. فإن بعضها ينهال ويتفتت، وبعضها يحدث ويشمخ بأن تتحجر مياه تسيل عليها أنفسها وما يصحبها من الطين. ولا محالة أنها تتغير عن أحوالها يوما من الدهر. ولكن التاريخ فيه لا يضبط. فإن الأمم يعرض لهم آفات من الطوفانات والأوبئة، وتتغير لغتهم وكتاباتهم فلا يدرى ما كتبوا وقالوا. وهو ذا يوجد فى كثير من الجبال. وبالهرمين اللذين بمصر، على ما بلغنى، كتابات منها ما لا يمكن اخراجه، ومنها ما لا تعرف لغته.
وأعلم أن البحر ساكن فى طباعه، وإنما يعرض ما يعرض من حركته بسبب رياح تنبعث من قعره، أو رياح تعصف فى وجهه، أو لمضيق يكون فيه ينضغط فيه الماء من الجوانب لثقله، فيسيل مع أدنى تحرك، ثم يلزم ذلك لصدم الساحل والنبو عنه إلى الناحية التى هى أغور. أو لاندفاع أودية فيه مموجة له بقوة، وخصوصا إذا ضاقت مداخلها
وارتفعت وقل عمقها، فيعرض أن يتحرك إلى المغار. واذا كان فى البحر موضع مشرف، ووقع أدنى سبب محرك للماء، فسال عنه إلى الغور، فلا يزال يجذب مقدمه مؤخره على الاستتباع فيدوم سيالا. والبحر الموضوع فى الوهاد الغائرة أسلم من تمويج الرياح، حتى يخيل من الجريان ما يخيله نظيره فى موضع عال.
قالو إن البحر الموضوع فى داخل منار هرقل لقلة عمقه وضيق مواضع منه وكثرة ما يسيل إليه من الأنهار يخيل جريانا، والبحر الذى من الجانب الآخر بالخلاف لكبره، وقلة ما ينصب فيه وشدة عمقه.
Bogga 210