Shaytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Noocyada
قال: ثغر كان لنا على البحر، قامت «فوة» مكانه اليوم، وكانت للأجانب، لا يؤذن لهم أن يسكنوا سواه، ولا يسامحون في الخروج منه إلى غيره من نواحي القطر.
قلت: بل نحن في عاصمة البلاد يا مولاي، وهؤلاء مترفوها من أهلين وأجانب.
قال: وما هذه المطايا التي لا تجوع ولا تظمأ، وكيف تسمونها؟
قلت: هذه محدثات الغربيين، تجلب إلى مصر فيتهافت الأغنياء على اقتنائها، ولم يتفق علماء اللغة على تسميتها حتى الآن، ولعلهم لا يتفقون، فإن القوم اخترعوا «الأتوموبيل» من كل حجم وشكل، واتخذوا منها دوارع في البر، ونحن لا نرضى عمن سماها السيارة، ولا عمن دعاها بالجوالة.
قال النسر: اللسان يا بني، من حيث هو مضغة، مرآة الصحة؛ ومن حيث هو لغة، مرآة الأمة؛ ولا غرابة في أن تقعد بكم اللغة وتخونكم في ميسور الأمر وعسيره؛ فهي إنما تأخذ بنصيب من هذا النقص العام، وتتأثر بهذا العجز الشامل؛ لأنها للعلم مثل الظل للشبح يتضاءل بتضاؤله، يطول بطوله؛ والعلم في التجارة وفي الصناعة وفي الزراعة، مثل ما هو في الشروح والمتون، وفيما يسمونه الفنون الجميلة؛ فكلما ظهرت آثاره على هذه الأشياء في مجموعها اتسعت اللغة من مادة، وازدادت من حياة، وتهذبت على الزمن، وحسبت على ناموس الارتقاء، يقتادها بأزمته، ويجري بها في أعنته؛ هذه يا بني هي الحياة الحقيقية للغات، وما سواها فتوهم، ووجود أشبه بوجود الأجسام المحنطة، يظن بها حفظ وهي وإن طال المدى ستبيد.
قلت: إنك لتنعي يا مولاي!
قال: ومن أنعي؟
قلت: اللغة العربية؛ فقد حيل في التعليم بينها وبين العلم الذي تزعم أنه للغات كالروح للجسم.
قال: وماذا يحول بينهما؟
قلت: الحكومة في مدارسها، والكتاب في منشآتهم، والعلماء في مؤلفاتهم، والجرائد فيما تنشر كل يوم؛ فأما الحكومة فقد استقر عند القابضين على أزمة التعليم من رجالها في السنين الأخيرة، أن اللغة العربية لحقت باللغات الغابرة، وأنها في واد وعلوم هذا العصر في واد، ولا يزالون على هذا الرأي وفي هذا السعي حتى ييبس ما بين اللغة العربية وبين العلم، ولا يكون بعيد حتى تعدم من يعلم قواعد الحساب فيها أو يعلمها الناس بها؛ وأما الكتاب فقل من جمع منهم بين العلم والبيان، وهم المشهورين منهم بالإجادة في الوصف والتصوير، انتقاء اللفظ والاحتيال على المعنى، واتباع الشعراء في الهيام، ومزاحمتهم على الخيال؛ حتى ضاع محل الكتابة العلمية بين منشآت الكتاب، وخلا أكثرها من حقيقة التاريخ وروح الفلسفة، ونبذت فيه العلوم الطبيعية، وهجر الطب والفلك وغير ذلك مما له في اللغة العربية آساس طال عليها الأبد وغيرها الترك والإغفال.
Bog aan la aqoon