Shaytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Noocyada
1
وأما العلماء في مصر فأبعد الناس عن معرفة في اللغة، أو تمكن من أدبها، يمتلئ دماغ أحدهم من العلم، ويتغرب في سبيله، وينفق الأيام في تحصيله؛ وإذا ألف بعد ذلك لم يؤلف فيما يعرض على أبناء العربية بين صحة التقرير وسلامة التحرير؛ ولا أستحي يا مولاي أن أختص بالذكر في هذا المقام أولئك الألوف ممن خرج أو يخرج من الأزهر، وهم علماء الدين المتفقهون فيه، أحوج ما كان الخواص والعوام إلى كتاب منهم مجيدين، يبينون للأمة مواضع الحكمة في أحكام الدين، ليقروها في أذهان الخاصة، ويقربوها من عقول العامة؛ ومع ذلك لم يقم من بينهم حتى الآن إلا ثلاثة أو أربعة يرجون لمثل هذا النفع، ومن البلية أنهم بهذا الفضل محسودون، ومن أجله ممقوتون. رب مدرس يا مولاي تقلب على أعمدة الأزهر، وأفنى الطلبة طبقة بعد طبقة؛ وإذا أراد أن يكتب إلى ولده في بعض الشئون خانه القلم، وكتب ما لا يفهم، وكان في رسالته أنكر خطا وأكثر خطأ من شاب أرسل إلى الغرب في أول الصبا، كلما دعاه داع ليكتب إلى أبيه بالعربية.
وأما الجرائد يا مولاي فمشغولة في الغالب بسفاسف السياسة عن كل شغل، منصرفة عن وجوه الخدمة الحقيقية، لا يهمها إحياء اللغة، ولا يعنيها نشر العلم باللغة؛ وشتان ما بينها في ذلك وبين الصحف الغربية، التي هي من التمكن وكثرة الانتشار بحيث تلحظ أحوال الزمن كل يوم، وتنظر في سياسة العلم بأسره، ومع ذلك فالأهم عندها، المقدم من واجبات الصحافة، إنما هو ترقية الآداب، ونشر العلم بين الجماعة، والبحث فيما يجد منه ويكتشف فيه بحثا مدققا ربما كانت فيه من قرائها بمنزل الأساتذة من تلاميذهم.
قال: الآن علمت أن الفاس في الأساس. ثم التفت والتفت، فبدا له وراء النهر قصر، عليه بهاء ورونق، وإن لم يكن بالسدير ولا الخورنق، فأومأ إليه وسألني: لمن الدار؟
قلت: لزعيم الاحتلال، والرقيب على جماعة الرجال، يعده الإنكليز في جملة عظمائهم، ويختلفون إلا فيه، ويرمقون بناء لهم في الاستعمار يبنيه؛ تخير هذه البقعة ثم بنى فوقها تلك الدار، فبنى الكثيرون على الآثار، حتى جاورها من ليس لها بجار، وكثر عليها في الزيارة من كان يجادل فيها الزوار، وأصبحت هذه الناحية وفيها اعتبار، ها هنا الفلاح المصري وهنا المستشار.
فلم يكن من النسر إلا أن تبسم ثم قال: لا احتلال ...!
فدهشت من هذا الجواب وقلت: أمازح يا مولاي أم أنت لم تفهم مقالي؟
قال: بل أنت الذي لم تفهم، فلا تجادلني حتى تعلم.
وفي هذه الأثناء مرت مركبة صغيرة، يجرها جواد واحد، يمسك عنانه شاب من الإنكليز، لا أبهة على ركابه، ولا زخرف على ثيابه، فيه حشمة ووقار، وعليه للتواضع آثار، حمل على إحدى عينيه زجاجة فأبرقت تحتها، وترك الأخرى تتمثل بقول المتنبي:
هو الجد حتى تفضل العين أختها
Bog aan la aqoon