وخشنت مطمعي؛ لأن القوت لا يحتمل الانبساط١ نفر الطبع لفراق العادة، فحل المرض، فقطع عن واجبات، وأوقع في آفات! ومعلوم أن لين اللقمة بعد التحصيل من الوجه المستطابة، ثم تخشينها لمن لم يألف سعي في تلف النفس. فأقول: كيف أصنع؟! وما الذي أفعل؟! وأخلو بنفسي في خلواتي، وأتزيد من البكاء على نقص حالاتي، وأقول: أصف حال العلماء، وجسمي يضعف عن إعادة العلم!! وحال الزهاد، وبدني لا يقوى على الزهد!! وحال المحبين، ومخالطة الخلق تشتت همي، وتنقش صور المحبوبات من الهوى في نفسي، فتصدأ مرآة قلبي!! وشجرة المحبة تحتاج إلى تربية في تربة طيبة تسقى ماء الخلوة من دولاب الفكرة.
وإن آثرت التكسب، لم أطق، وإن تعرضت لأبناء الدنيا، مع أن طبعي الأنفة من الذل، وتديني يمنعني، فلا يبقى للميل مع هذين الجاذبين أثر! ومخالطة الخلق يؤذي النفس مع الأنفاس، فلا تحقيق التوبة أقدر عليه، ولا نيل مرتبة من علم أو عمل أو محبة يصح لي.
فإذا رأيتني كما قال القائل:
أَلْقَاهُ فِي الْيَمِّ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ ... إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالْمَاءِ
تحيرت في أمري، وبكيت على عمري، وأنادي في فلوات خلواتي بما سمعته من بعض العوام، وكأنه وصف حالي:
وَاحَسْرَتِي كَمْ أُدَارِيْ فِيكَ تَعْثِيرِي ... مِثْلَ الأَسِيرِ بِلا حَيْلٍ ولَا سَيْرِ
مَا حِيْلَتِي فِي الْهَوَى قَدْ ضَاعَ تَدْبِيرِي ... لَمَّا شَكَلْتَ جَنَاحِي قُلْتَ لِي طِيْرِي٢
_________
١ الانبساط: الزيادة في الإنفاق.
٢ شكل الجناح: ربطه.
٢٢- فصل: حوادث الدنيا وحوادث الآخرة ٩٦- تأملت أمر الدنيا والآخرة، فوجدت حوادث الدنيا حسية طبعية وحوادث الآخرة إيمانية يقينية. والحسيات أقوى جذبًا لمن يقو علمه ويقينه.
٢٢- فصل: حوادث الدنيا وحوادث الآخرة ٩٦- تأملت أمر الدنيا والآخرة، فوجدت حوادث الدنيا حسية طبعية وحوادث الآخرة إيمانية يقينية. والحسيات أقوى جذبًا لمن يقو علمه ويقينه.
1 / 53