قال همام: خير.
قال أمين: خير، كل الخير.
ولولا احتراسه أن يصدم صديقه بالنبأ السعيد المشئوم لصاح صيحة «أرخميد» ... وجدتها، وجدتها ... وحق له أن يصيح؛ فقد كان يمتحن زيفا دقيقا لا يقل عن الزيف الذي امتحنه الرياضي العظيم.
وسرد القصة بتفصيلاتها عملا بالوصية الأولى، إن لم يكن همام بالحريص في هذه المرة على التفصيلات، بعد أن نجحت الرقابة وظهرت النتيجة.
وفحوى القصة أنه تبع سارة من منزلها حتى نزلت في ميدان باب الحديد، فمشت أمام ومشى وراء، ودارت بعينيها فيما حولها تروز الطريق وتتوقى الأنظار، فأطل رجل من سيارة وكانت واقفة بالانتظار وأشار إليها ، فانفتلت إلى السيارة في سرعة البرق، وتبين أمين الرجل بثيابه وسيماه.
قال همام: وهل تبعت السيارة؟
قال أمين: لا، فقد غابت عن النظر قبل أن أدركها بسيارة أخرى.
قال همام مستضحكا جذلا ليصرف عنه أسفه المصطنع ويسري عنه ندامة هذا الفشل الصغير، ويسره بنتيجة تعبه: أحسنت يا سيد أمين، أحسنت، قد وصلنا، وصلنا وإن لم نصل إلى باب الدار، فاستمر على بركة كيوبيد. •••
وانقضت أيام في مثل حالة المفجوعين الذي اطمأنوا إلى موت فقيدهم في ديار الغربة، ولم يبق إلا أن تصل الجثة إلى مقرها الأخير بعد سنوات من وقوع المصاب، لا حدة ولا حداد ولا حرارة في الانتظار، بل مسايرة للأيام والحوادث إلى أن تنتهي حيث يروقها الانتهاء.
ففي بعض هذه الأيام كان همام يركب الترام قبل الموعد بنحو الساعة إلى حيث يلقى أمينا - عشاء كل يوم - بعد رحلته اليومية المعهودة، فإذا بأمين يقفز إلى جانبه والترام سائر على أقصى سرعة.
Bog aan la aqoon